المعداوى للعلوم والتكنولوجيا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

المواضيع الأخيرة
الموهوبين بالاسماعيلية
مدرسة الموهوبين رياضياً بالاسماعيلية ترحب بكل عضو جديد داخل منتدى المعداوى للعلوم والتكنولوجيا
التبادل الاعلاني
المعداوى للعلوم

الفونيمات فوق التركيبية في سور ةالواقعة أ د. عطية سليمان أحمد الجزء الأول

اذهب الى الأسفل

الفونيمات فوق التركيبية في سور ةالواقعة  أ  د. عطية سليمان أحمد الجزء الأول Empty الفونيمات فوق التركيبية في سور ةالواقعة أ د. عطية سليمان أحمد الجزء الأول

مُساهمة  المشرف العام الإثنين 14 يونيو 2010 - 5:39

بسم الله الرحمن الرحيم
الفونيمات فوق التركيبية في سورة الواقعة
تقديم:الحمد لله رب العالمين الذي هدانا إلي أن نقتبس النور من كتابه الكريم فهو نور كل نور
وبعد ،فإن القارئ للقرآن الكريم يشعر بنوع من الانسجام الصوتي بين آياته،من خلال نغم خفي يشعر به ولا يعرف مصدره،ولا يدري هل من سجع هذا أو وزن وقافية ، أو من ماذا ؟
قد يفيدنا السير وراء قضية الفونيمات فوق التركيبية بأن تهدينا إلي سبب هذا النغم أو الانسجام الصوتي . ولهذا رأيت أن من الضروري في دراسة هذه القضية واستجلاء أمرها أن نطبق ذلك من خلال سورة الواقعة لنري كيف يتحقق هذا الانسجام ، وما أسبابه؟
النغم الخفي :
إن الانسجام الصوتي في القرآن الكريم لم يأت من الوزن ولا القافية ولا السجع ؛ لأنه ليس شعراً، وليس نثراً ،وبالجملة ليس قول بشر ، بل هو قول رب العالمين ،الذي علم البشر كيف ينطقون ،وكيف لا ؟ وهو خلقهم من قبل ولم يكونوا شيئا؟
وقد حار العلماء في سبب هذا النغم فقالوا : إنه جاء من اتحاد المقاطع، أو النبر ، أو اتفاق الفواصل ، أو من طول الجمل ، أو التناسق الدقيق بين اللفظ والمعني ، أو التناسق الصوتي الداخل في كل آية لتحقيق النغم الداخل مع التناسق الصوتي الموجود مع كل فاصلة، وأختها، ويسأل د.تمام حسان عن هذا النغم الخفي قائلا تحت عنوان ( تأملات في القيم الصوتية في القرآن الكريم) : "نعني بالقيم الصوتية تلك الخصائص التي تتمايز بواسطتها الأصوات ويتعلق بها نوع من المعاني يسمي المعاني الطبيعية ، التي لا يوصف آثارها بأنها عرفية ولا ذهنية ؛لأنها في الواقع مؤثرات سمعية انطباعية ذات وقع علي الوجدان ، تدركها المعرفة،ولا تحيط بها الصفة ، فمثل تأثيرها في الوجدان السامع مثل النغمة الموسيقية تطرب لها ثم لا تستطيع أن تقول لم طربت؟ (1)
هذا القول للدكتور تمام حسان جعلنا نعيد النظر في مصدر الانسجام الصوتي في القرآن الكريم الذي نحس به ولا ندرك من أين يأتي . هل هو من المصادر التي أشار إليها أو من الفونيمات الثانوية (فوق التركيبية) أو من الفونيمات الأساسية ، كل هذا وذاك كان موضع اهتمامي في هذه الدراسة .
وقد قسمت البحث علي قسمين :
الأول في دراسة الفونيمات الثانوية .ويشمل فونيمين : المقطع – النبر .
والثاني دراسة تطبيقية للظواهر الفونيمية في سورة الواقعة : ( المقطع والنبر)،
وهذا القسم الثاني كان هدف البحث، ومجال التطبيق علي تلك الحقائق المعطاة من الفونيمات الثانوية؛ لنري إلي أى مدي تحقق هذا التنغيم الانسجام الصوتي في آيات القرآن الكريم.
والله نسأل أن يوفقنا إلي ما يحب ويرضي .
د. عطية سليمان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- البيان في روائع القرآن ، د. تمام حسان ، عالم الكتب القاهرة 1993م.
الباب الأول
الفونيم : الفصل الأول :الفونيم وأنواعه
الفصل الثاني :الفونيمات فوق التركيبية
الفصل الأول
الفونيم وأنواعه
إن الكلام الذي ننطق به يحتوي علي تيار مستمر من الأًصوات ،ولا تنفصل الأصوات أو الكلمات الواحدة عن الأخرى عن طريق التوقف أثناء الكلام ، ولكن كلا منهما يجب أن يستخلص من كم متصل ، ومن الممكن أن نقسم الوحدات الصوتية إلي :
الفونيم :Phoneme وهو الوحدة المتميزة الصغرى التي يمكن تجزيء سلسلة التعبير إليها . وباعتباره أصغر الوحدات الصوتية يمكن العمل عليها في إطار تحليل سلسلة التعبير للوصول إلي مكونات تلك السلسلة ، ومعرفة مصدر النغم وسر الانسجام الموجود في أصوات السلسلة التعبيرية .
لقد انبثقت نظرية الفونيم من ملاحظة كيفيات النطق المختلفة ، ووظائف الأصوات المتنوعة ، ومن محاولة وضع ألفبائيات للغات المختلفة(1) لقد كان هم هؤلاء وضع الأبجديات المختلفة ، كما هو الحال في أنظمة الكتابة في اللغات السنسكريتية والإغريقية، أي تحويل الصوت المنطوق إلي رمز مكتوب ،وهذا يعني محاولتهم تفصيل السلسلة الكلامية إلي أجزاء ومقاطع بوضع مقابل لكل منطوق في شكل مكتوب يمكن استدعاء ذلك المنطوق عن طريق المكتوب ، وبذلك يكون قد تم تحليل الأصوات المنطوقة إلي مجموعة رموز مكتوبة تكون بعد ذلك الألفية أو الأبجدية الخاصة بتلك اللغة ، ومن هنا جاءت فكرة الفونيم كرمز مكتوب يعبر عن صوت منطوق ،ولكن هذا الفونيم الذي نظن أنه صوت واحد هو في الحقيقة غير ذلك ( فإن السين في كلمة سماء تختلف من ناحية الصفة عنها في كلمة (سطاء) مثلا فهي في الثانية ذات قيمة تفخيمية ، ليست في الأولي، ومع ذلك فإننا نسمي كل واحدة منها سينا، ونرمز لها في الكتابة برمز واحد، كما نرمز لأصوات النون المختلفة فيما مضي برمز واحد في الكتابة كذلك " هذه الأصوات المختلفة ،التي يعبر عنها في الكتابة برمز واحد ،ولا تستخدم في اللغة للتفريق بين المعاني المختلفة ، هي ما يطلق عليه اسم (فونيم) Phoneme وحدة صوتية/عائلة صوتية(2) .
الفرق بين الصوت والحرف :
يقول د. رمضان عبد التواب عن الفونيم ( وفي إمكاننا نحن أن نطلق عليه اسم (حرف) مقصود به الرمز الكتابي ، ونعمل بذلك علي التفريق بين الاصطلاحين (صوت)و(حرف). فالصوت هو ذلك الذي نسمعه ونحسه ، أما الحرف فهو ذلك الرمز الكتابي الذي يتخذ وسيلة منظورة للتعبير عن صوت معين ، أو مجموعة من الأصوات لا يؤدي تبادلها في الكلمة إلي اختلاف المعني (3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- دراسة الصوت اللغوي،د. أحمد مختار عمر،عالم الكتب القاهرة.ط2 سنة1981 صــ144 .
2- المدخل إلي علم اللغة، د.رمضان عبد التواب والخانجي ، القاهرة ط1 سنة 1982 . صــ 83 .
3- المدخل إلي علم اللغة. صــ 84.
إذن الفرق كما يقول د. تمام حسان(هو فرق ما بين العمل والنظر ، أو بين المثال والباب ، أو بين أحد المفردات، والقسم الذي يقع فيه ، فالصوت عملية تطبيقية تدخل في تجارب الحواس،وعلي الأخص السمع والبصر ، يؤديه الجهاز النطقي حين أدائه ،أما الحرف فهو عنوان مجموعة من الأصوات ، يجمعها نسب معين ، فهو فكرة عقلية عضلية،وإذا كان الصوت مما يجده المتكلم فإن الحرف مما يوجد ه الباحث(1)وهذه التفرقة بين الصوت والحرف جعل الحرف مساوياً للاصطلاح الغربي فونيم ،والصوت مساوياً الألفون وهو أحد أفراد العائلة الفونيمية ، وهو الوجود الفعلي للفونيم .
تصور الفونيم للألفون
وهناك تصور للعلاقة بين الفونيم والألفون أي بين الرمز والصوت ، فالرمز الكتابي (الفونيم) هو الوسيلة الوحيدة لكتابة اللغة ، حيث يرمز إلي مجموعة من الأصوات المتشابهة، والتي يمكن أن تدرج تحت هذا الرمز ، أما التصور الآخر لهذه العلاقة فذلك الذي يعتبر الفونيم الأب الذي له عائلة كبيرة تحمل خصائص وصفات الأب ، ولكن مع وجود تمايز بين أفراد هذه العائلة حيث يتميز كل فرد من أبناء هذا الأب ببعض الخصائص التي تميزه عن أخيه .
ولو عدنا إلي ذلك الأب فلا نجد له وجوداً فعلياً،حيث هو مجموعة من الخصائص الصوتية التي لا يمكن النطق بها .(أي التحقيق الفعلي لهذا الأب كصوت) إلا من خلال أحد أبنائه ، أي من خلال سلسلة كلامية في إطار كلمة أو عبارة تحقق الوجود الفعلي لهذا الصوت . ويظهر لدينا في هذه الحالة – أحد أبنائه ، وليس الأب ، ومن هنا تعددت صور الأب (الفونيم) من خلال تعدد الصور التي ترد فيها من خلال السياقات اللانهائية التي ترد فيها ، ونتكلم بها، وتمثل كل صورة من هذه الصور أحد أبناء الفونيم وهو ما يسمي (بالألفون) .
لقد قال بهذا التصور دانيال جونزD.jones أن الفونيم عبارة عن عائلة من الأصوات في لغة معينة متشابهة الخصائص ، مستعملة بطريقة لا تسمح لأحد أعضائها أن يقع في كلمة في نفس السياق الصوتي الذي يقع فيه الآخر (2)؛ هذا لأن كل عضو يمثل فرداً مستقلاً في تلك العائلة التي فقدت أباها (الفونيم) .
ثم يذكر دانيال جونز سبب تسمية أحد أفراد العائلة رئيساً،حيث يرجع إلي :
1) كثرة ورود هذا العضو في الاستعمال اللغوي بصورة تفوق بقية الأعضاء .
2) كونه العضو الذي يستعمل وحده منعزلا عن السياق الفعلي .
3) كونه في الموقع المتوسط بين بقية الأعضاء (3) ،هذا التصور لدانيال جونز يشير إلي الصوت المنعزل عن السياق ، وهو أقرب ما يكون إلي الصوت الفعلي الذي يرد في السياق ،ويكون بعيداً إلي حد كبير عن تأثيرات السياق الذي سيوضع فيه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- اللغة بين الوصفية والمعيارية 13.
2 –D.JONES The phoneme,Its Nature and use,p.10,1962 .
3- D.JONES The phoneme, p,212
ثم يوضع هذا الفونيم أو الصوت في سياق يحدد خصائصه الجديدة إلي جانب خصائصه الأصلية . وبذلك يكون كما ذكر ماريو باي قابلا للتحليل ( قابلية الفونيم للتحليل والتجزئة إلي وحدات ألفونية ، حيث تشكل هذه التنوعات الصوتية المتشابهة وحدة الفونيم ، وعليها يتوقف استعمال كل منها أساسا علي موقعه في الكلمة وعلي الأصوات المجاورة (1)، وما ذكره ماريوباي من أن الفونيم قابل للتحليل بناء غلي موقعه في الكلمة والأصوات المجاورة له، قاله من قبل ابن جني بدون استخدام كلمة فونيم أو ألفون ، ولكن في إطار حديثه عن تنوعات الحركات بناء علي الأصوات التي تجاورها ،يقول ابن جني( باب في كمّية الحركات :أما ما في أيدي الناس في ظاهر الأمر فثلاث ،وهي الضمة والكسرة والفتحة ومحصولها علي الحقيقة ست ،وذلك أن بين كل حركتين حركة ،فالتي بين الفتحة والكسرة هي الفتحة قبل الألف الممالة؛نحو فتحة عين عالم وكاف كاتب ،فهذه حركة بين الفتحة والكسرة ؛ كما أن الألف التي بعدها بين الألف والياء ،والتي بين الفتحة والضمة هي التي قبل ألف التفخيم ؛نحو فتحة لام الصلاة والزكاة والحياة .وكذلك ألف قام وعاد ،والتي بين الكسرة والضمة ككسرة قاف قيل وسين سير فهذه الكسرة المشمة ضما . ومثلها الضمة المشمة كسرا كضمة قاف المنقر...ويدل علي أن هذه الحركات متعدات اعتداد سيبويه بألف الإمالة وألف التفخيم حرفين غير الألف المفتوح ما قبلها )(2) ،وهذا الكلام يفهم منه أن ابن جني يري الحركات تتغير بتغير الوسط ،أو البيئة الصوتية التي ترد فيها .
أنواع الفونيم
يقسم العلماء الفونيم إلي :
أولا: الفونيم التركيبي:وهو عبارة عن الوحدات الصوتية التي تكون جزءاً من أبسط صيغة لغوية ذات معني منعزلة عن السياق أو قل الفونيم الرئيسي هو ذلك العضو الذي يكون جزءاً أساسياً في الكلمة المنفردة ، كالباء والتاء . والألف والواو ، وهي تكون ما يسمي بجزيئات الكلام ؛ ولهذا توصف بأنها فونيمات جزيئية أو تركيبية علي اعتبار أن الكلام هو سلسلة كلامية ،أو مجري مستمر خلال زمن معين . وبناء علي هذا يمكن أن يجزأ المجري إلي فونيمات أو ألوفونات منفصلة (3).
ثانياً: الفونيم فوق التركيبي :
وهذه ظاهرة أو صفة صوتية ذات مغزي في الكلام المتصل ، وهو علي العكس من الفونيم التركيبي ، لا يكون جزءا من تركيب الكلمة ، وإنما يلاحظ فقط حين تضم كلمة إلي أخري أو حين تستعمل الكلمة الواحدة بصورة خاصة . وهي لذلك لا تظهر في الكتابة ، ولكن في النطق فقط ". ولأن الكلام امتداد متصل من التحركات التي تؤديها أعضاء النطق ، فإن التجزيء إلي علل متتابعة يبدو أمراً مصطنعاً علي الرغم من أنه ضروري وعملي لدراسة اللغة وتحليلها .
" وقد وجد في التحليل الدقيق ، وعن طريق التجريب أن الانتقالات من نطق الساكن إلي العلة التالية ، ومن العلة إلي الساكن التالي تعد من أهم المفاتيح التي يملكها السامع لمعرفة أي أصوات الكلام تنطق ، كما لاحظ العلماء أن المعني ليس مرتبطا بأصوات الكلام المنفصلة فحسب ، وإنما كذلك بالتجمع الصوتي ككل (4).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ أسس علم اللغة ماريوباي ترجمة د. مختار عمر عالم الكتب القاهرة 1982 صــ 88.
2 ، ـ الخصائص .ابن جني تحقيق محمد علي النجار الهيئة المصرية للكتاب القاهرة 1980ج3/122.
3 ـ أسس علم اللغة ماريوباي صــ92 . 4ـ دراسة الصوت اللغوي 186.
فنجد المتكلم ويجول في تلك المنطقة؛ وهي منطقة الانتقال من الساكن إلي العلة ، أو من العلة إلي الساكن . ويتم ذلك من خلال زيادة أصوات العلة أو تقصيرها أو الضغط عليها، وهي أشياء لا تدرك إلا بالاستماع إلي المتكلم ومعرفة طريقته في التعبير عما يريد .
ولهذا نجد أصحاب نظرية الفونيم يضمون إلي ما سموه بالفونيم التركيبي قسما آخر سموه بالفونيم فوق التركيبي ... وهي ملامح صوتية غير تركيبية مصاحبة تمتد عبر أطوال متنوعة ، وتكون الجزيء أو تتابع الجزيئات ، ويرمز لها عادة برموز إضافية خارج رموز الجزيئات التركيبية (1)
وقد سميت فونيمات لأنها تحمل رسائل لغوية ، ولها وظائف في داخل العملية الكلامية قد تؤدي إلي تحويل الكلمات من معانيها الأصلية إلي معان مغايرة ومخالفة للأًصل . ولهذا السبب أجد أن هذا الجانب من الفونيمات ( أي الفونيمات فوق التركيبية) جدير بالدراسة والتحليل ، وخصوصاً إذا أضفنا إلي ما سبق القيم الصوتية التي تنتج عند مراعاة تلك الفونيمات من حدوث انسجام صوتي ، وإصدار نغم يؤثر في النفس .
وهذه الصفة الأخيرة هي الخاصية المهمة للفونيمات فوق التركيبية، حيث تظهر في قراءة القرآن الكريم بوضوح ، ولهذا جاءت فكرة هذا البحث ،وهي محاولة دراسة الفونيمات فوق التركيبية في سورة الواقعة ،ومعرفة مصدر هذا الانسجام الصوتي، والنغم الخفي الموجود في هذه السورة بآياتها المختلفة .وهذه الفونيمات الفوق تركيبية تشمل ( النبر stress- النغمة tone – التنغيم intonation - المفصل juncture – الطول length وتمثل المقاطع الصوتية جزءاً من هذه المنظومة .
1 ـ دراسة الصوت اللغوي 186.
الفصل الثاني
الفونيمات فوق التركيبية
ونحاول هنا أن نتحدث بالتفصيل عن تلك الفونيمات :
المقــــاطع
يقول د. عبد الصبور شاهين في تعريفه المقطع Sad المقطع في تعريف واضح هو تأليف أصواتي بسيط، تتكون منه واحداً ، أو أكثر - كلمات اللغة – متفق مع إيقاع التنفس الطبيعي –ومع نظام اللغة في صوغ مفرداتها ، وهو تعريف مضينا إليه في كتابنا عن ( القراءات القرآنية)، ويقول ديفيد أبركرومبى عن المقطع ( هو نتاج الطريقة التي تعمل بها ميكانيكية تيار الهواء الرئوية ، وأساسه نبضة صدرية تركب عليها الحركات المخرجية المنتجة للمقطع ، وما يرتبط بها من حركات الطبق والأوتار الصوتية (1). وأحاول من خلال هذا التعريف من بين عشرات التعريفات أن أخلص إلي فهم هذه الصفة الخاصة بأصوات اللغة ، وعلاقتها بموضوعنا (الفونيمات الفوق تركيبية في سورة الواقعة) ، حيث ننظر إلي المقطع كمجموعة من الأصوات التي تمثل قاعدتين تحصران بينهما قمة، وذلك في إطار تعريف المقطع من حيث النطق أي ( اتجاه نطقي).
وقد عرفه بعض العلماء من الناحية الفسيولوجية علي أنه نبضة صدرية، أو وحدة منفردة لتحريك هواء الرئتين : لا تضمن أكثر من قمة كلامية ، أو قمة تموج مستمر من التوتر في الجهاز العضلي النطقي ، أو نفخة هواء من الصدر (2).
ويشرح د. عبد الرحمن أيوب كيف تتم عملية إنتاج المقطع قائلاً (يعتمد تقسيم الحدث اللغوي إلي مقاطع علي عدد ما يتضمن من دفعات هوائية تنتج بتأثير ضغط الحجاب الحاجز علي الرئتين،والمعروف أن إنتاج الأصوات عملية تبدأ بإخراج الهواء من الرئتين ، واعتراض أعضاء النطق المختلفة طريق الهواء ، وليس إخراج الهواء عملية عضوية تستمر قوتها دون اختلاف ، بل إن ضغط الهواء يتفاوت من جزء من أجزاء الحدث اللغوي إلي جزء آخر (3) .
ويلاحظ في أثناء الكلام أن الضلوع السفلي من القفص الصدري يتم رفعها وتثبيتها في وضع الرفع عند الزفير، علي حين تتولي عضلات البطن ضغط الهواء ، وهكذا يتوتر النشاط في تجويف الصدر ، فيزيد ذلك من توتر الحجاب الحاجز الذي يقوم بمقاومة نشاط عضلات البطن ، وبذلك يتم التحكم في عملية الزفير بواسطة التوازن بين هاتين القوتين ... وفي إنتاجية الكلام، فيتخذ تيار الزفير صورة دفعات ذات طبيعة إيقاعية تتفاوت قوة وضعفاً ، وترتبط هذه الدفعات بحدوث خفقات صدرية يتم علي أساسها انتظام أصوات الكلام في مجموعة نفسية (4) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- مبادىء علم الأصوات العام 112 .
2.H,stetson Buse of phonogy , p , 52
3- أصوات اللغة د . عبد الرحمن أيوب مطبعة الكيلاني القاهرة 19866 صــ 141.
4- دراسة السمع والكلام د. سعد مصلوح ، عالم الكتب القاهرة سنة 2000م صــ 228.
وهذه الخفقات جعلت ستيتسون STETSON يرجع أن كل خفقة صدرية ترتبط بمقطع من مقاطع الكلام ، فقد قاس نشاط عضلات التنفس ، وقد لاحظ وجود علاقة بين المقاطع وبين تشنج العضلات التنفسية ، وكذلك قارن منحنيات هذه التنوعات العضلية مع منحني التوتر المسموع . (1)
ويعلق د. سعد مصلوح علي فرضية ستيتسون بقوله :
1- إن الفرض الذي يبدو معقولا- وإن لم يكن كافيا بنفسه لتفسير الأساس النطقي للمقطع تفسيرا شاملا ومقنعا - يربط بين الخفقات الصدرية وتقسيم تيار الكلام إلي مقاطع .
2- إن الخفقات الصدرية تتفاوت قوة وضعفا، وينشأ عن ذلك التفاوت المقاطع في قوتها النسبية ، ببروز بعضها علي حساب بعض ، وهو ما يسمي بالنبر (2).
وفي ضوء تلك المعطيات الصوتية يمكن أن نقول : إن هذا الاقتران بين الخفقات الصدرية التنفسية والمقاطع الصدرية يجعل الكلام الذي يخرج علي وتيرة واحدة، وفي صورة مقاطع متماثلة في أواخر فصلاته ،يتم بحركة ثابتة متكررة متماثلة في الصدر، والحجاب الحاجز ،وهذا ما يؤدي إلي الانسجام الصوتي الناتج عن السير علي وتيرة واحدة في المقاطع .
وكذلك فإن ثبات حركة القفص الصدري والحجاب الحاجز علي حركة واحدة متماثلة يؤدي إلي ما يعرف بالسهولة والتيسير الناتج عن هذا التماثل في حركة أجزاء الجهاز الصوتي السابقة ، حيث ترتاح عضلات الصدر بتكرار حركات متماثلة ، وكذلك عضلات السمع التي تستقبل الترددات الصوتية نفسها المتماثلة والمتوقعة أحيانا ، حيث يؤدي ذلك التماثل إلي توقع السامع للكلمة القادمة نتيجة لذلك التماثل في حركة القفص الصدري ،والخفقات الصادرة منه في شكل مقاطع متشابهة مرتبطة بكلمات متشابهة تكونت من تلك المقاطع ،وهذا الأمر يحدث بكثرة في :
أولاً : في الشعر :
(1) تأتي الأبيات علي أوزان بحور ثابتة تشكل مقاطع متقاربة ، وتنتهي بقافية تلتزم – في الغالب – بنهايات مقطعية متشابهة في كل بيت مما يؤدي إلي إيجاد تجانس صوتي ونغم متكرر في كل بيت ، فلا يكون هذا النغم صادراً فقط عن حرف الروي ، بل من الالتزام المقطعي المتكرر مع نهاية كل بيت (التشابه المقطعي في داخل كل بيت) نتيجة الالتزام بوزن بحر واحد، وما به من تفعيلات ثابتة متكررة ،مما يؤدي إلي حركة واحدة ثابتة في القفص الصدري والحجاب الحاجز، وعدد محدد متكرر من الخفقات نتيجة ارتباطها بالمقاطع المتكررة والثابتة في كل بيت .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- علم الأصوات برتيل صــ 162. 2 ـ دراسة السمع والكلام صــ 229.
يؤدي ذلك إلي القافية المتوقعة، حيث نتوقع أن تأتي كلمة معينة سوف نسمعها في نهاية هذا البيت نتيجة للربط بين معاني القصيدة وإيقاعها بمقاطعها المختلفة في الأبيات التي سبقت هذا البيت .
ولذا إذا قلنا: لماذا نشعر براحة نفسية عند سماع قصيدة جيدة ؟ نقول : إن هذه الراحة تأتي من التناسق والترابط بين الصوت والمعني ، فكل من الانسجام الصوتي والنغم المنتظم والمتكرر والمعني الجيد يجعل الأذن تشعر بتلك الراحة التي تنتقل إلي النفس ، ولهذا نري الميل اللاشعوري إلي ذلك النوع من الكلام (الشعر)، حيث يقول الشاعر ما في نفسي من المعاني ولكن بطريقة لا أقدر عليها .
والمتكلم بهذا الكلام (سواء اً كان شاعرا أم راوياً ) يشعر بهذه الراحة النفسية بعد إلقاء القصيدة ، فهما إلي جانب استحضار المعني الجيد يغلب عليهما النغم المتكرر المتناسق، والانسجام الصوتي الناتج عن تكرار حركة واحدة متناسقة للقفص الصدري والحجاب الحاجز ، وخروج خفقات متماثلة متكررة في مقاطع متشابهة .
ثانياُ في غير الشعر:
يحدث هذا في الخطب والمقالات الأدبية والأمثال والعبارات الإتباعية كما في (حاريار - لا يملك حلوبة ولا ركوبة) حيث تتفق المقاطع الأخيرة في الكلمات لتحقق النغم الإتباعي ( حلوبة ركوبة ) وغيرها من العبارات الإتباعية وكذلك في الأمثال نماذج كثيرة .
أما في القرآن الكريم فالأمر يختلف ، حيث نجد عناصر كثيرة تحقق الانسجام الصوتي والتجانس الذي نشعر به ولا نعرف مصدره ، ومنها عنصر المقاطع . يقول د.عبد الصبور شاهين في تعريف المقطع أنه ( تأليف صوتي بسيط تتكون منه واحدا أو أكثر من كلمات اللغة متفق مع إيقاع التنفس الطبيعي ، مع نظام اللغة في صوغ مفرداتها وهو تعريف مضينا إليه في كتابنا عن القراءات القرآنية (1) . فنجده يربط بين المقطع وإيقاع التنفس الطبيعي ، وقد تحقق له هذا من خلال الدراسة الصوتية للقراءات القرآنية . وهذا ما سنوضحه من خلال الدراسة المقطعية لسورة الواقعة.
وهناك تعريفات أخري للمقطع روعيت فيها جوانب أخري لهذا الحدث الصوتي ، كالجانب الوظيفي ، حيث عرفه دي سوسير ( بأنه الوحدة الأساسية التي يؤدي الفونيم وظيفة داخلها ) . وهو اتجاه فونولجي يري أنه عبارة عن الوحدة التي يمكن أن تشمل درجة واحدة من النبر، أو وقفة واحدة كما في كثير من اللغات (2) . وهنا تبدو النظرة واضحة إلي المقطع كوحدة صوتية تصدر من الجهاز الصوتي بخصائص صوتية مختلفة من لغة إلي أخري .
أنواع المقاطع في اللغة العربية
1- مقطع قصير مفتوح : وهو ما تكون من صامت وحركة قصيرة (ك).
2- مقطع طويل مفتوح ، وهو ما تكون من صامت وحركة طويلة (في).
3- مقطع طويل مغلق حركته قصيرة ، ويتكون من صامتين بينهما حركة قصيرة ( من) .
4- مقطع طويل مغلق حركته طويلة ، ويتكون من صامتين بينهما حركة طويلة (باب).
5- مقطع زائد في الطول ، ويتكون من صامتين متتاليين في الوقف ( بيت)(3).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- علم الأصوات برتيل صــ 164.
2- الدراسات الصوتية عند العلماء العرب د.حسام البهنساوي . مكتبة زهراء الشرق القاهرة2005 ص 210
3 ـ التطور اللغوي ، د. رمضان عبد التواب ، مكتبةالخانجي .ط2 القاهرة ، 1995 . صــ 96.
من خصائص المقطع في العربية :
1- النوعان الرابع والخامس من المقاطع نادرة الشيوع في اللغة العربية ،ولا يكونان في الشعر بل في النثر ، والرابع لا يجوز إلا في آخر الكلمات في حالة الوقف عليها أوفي وسطها بشرط أن يكون المقطع التالي له ، مبتدئا بصامت يماثل الصامت الذي ختم به المقطع السابق ، وهو ما يعرف بالتقاء ساكنين ، وهو أن يكون الأول حرف لين والثاني دغما في مثله نحو ضالّين وشابّة ومد هامتان ، فإذا نشأ هذا المقطع اشتقاقياً في غير هاتين الحالتين حولته اللغة إلي مقطع من النوع الثالث مثل( يقوم) التي تصبح عند الجزم "لم يقم" . وكان الأصل فيها لم يقوم .(1)
2- يبتعد النظام المقطعي في العربية عن توالي أربعة مقاطع من النوع الأول ، وهذا هو السر في تغيير نظام المقاطع في الفعل الماضي الثلاثي المتصل بضمير الرفع المتحرك إلي مقطعين من النوع الأول بينهما مقطع من النوع الثالث مثل ضربت بدلاً من توالي أربعة مقاطع من النوع الأول كما في ضربت .
3- أقل ما تتركب منه الكلمة العربية ، هو مقطع واحد ، وأكثر ما تتكون منه الكلمات العربية هو سبعة مقاطع .
4- لا بد أن يبدأ بصامت ولا يمكن أن تبدأ الكلمة العربية بحركة.
5- أنه لا يجوز أن تبدأ الكلمة العربية بصامتين.
النبر
(هو عبارة عن البروز الذي يعطي لمقطع واحد داخل ما تشكل الوحدة البروزية التي تتطابق في معظم اللغات وهي ما تسمي الكلمة (2).
وهو عند د. إبراهيم أنيس عبارة عن نشاط في جميع أعضاء النطق في وقت واحد ، حيث تنشط عضلات الرئتين عند النطق بمقطع منبور نشاطا كبيراً ، كما تقوي حركات الوترين الصوتيين ويقتربان أحدهما من الآخر ليسمحا بتسرب أقل مقدار من الهواء ، فتعظم لذلك سعة الذبذبات ويترتب عليه أن يصبح الصوت عاليا واضحا في السمع ، هذا في حالة الأصوات المجهورة ، أما في حالة الأصوات المهموسة فيبتعد الوتران الصوتيان أحدهما عن الآخر أكثر من ابتعادهما من الصوت المهموس غير المنبور ، وبذلك يتسرب مقدار أكبر من الهواء ، كما نلاحظ أيضا مع الصوت المنبور نشاطا في أعضاء النطق الأخرى ، كأقصى الحنك واللسان والشفتين (3) .
إن النبر علي ذلك يقتضي طاقة زائدة أو جهدا عضليا إضافيا علي المقطع المنبور ، وهنا يبدو الاقتران بين النبر والمقطع، فلا نبر بدون مقطع ينشأ عليه ، وهذا مما جعلني أقدم دراسة المقطع علي دراسة النبر ، حيث المقطع هو الأساس الذي يتكون عليه النبر، فلا بد أن نفهم المقطع أولا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


1 ـ التطور اللغوي ، د. رمضان عبد التواب الخانجي .ط2 القاهرة ، 1995 . صــ 96 100 : 2 A.martient Elementes of general Linguisties , P ,
3- الأصوات اللغوية صــ 169
يقول د. تمام حسان مؤكداً قيمة سبق دراسة المقطع علي دراسة النبر ( الآن نبدأ في شرح نظام النبر الذي لا يمكن شرحه إلا بمعونة البنية المقطعية في نظام الصرف من جهة، وفي الكلام العربي من جهه ....ويحسن في دراسة نبر الأبنية علي نظام الصيغ، وأن نعدل عن ذلك إلي بنائه علي ترتيب المقاطع في الصيغ لأن عدد المقاطع ـ وهي ستة ـ أقل بكثير جدا من عدد الصيغ الصرفية ، فيؤدي استعمال المقاطع في تحديد قواعد النبر إلي أن يكون عدد القواعد قليلا، وأن يكون الكلام فيها مختصراً ( 1).
ويؤكد هذا قول جونز ( إن المقطع المنبور بقوة ، ينطقه المتكلم بجهد أعظم من المقاطع المجاورة له في الكلام أو الجملة ، فالنبر إذن نشاط ذاتي للمتكلم ينتج عنه نوع من البروز لأحد الأصوات أو المقاطع بالنسبة لما يحيط به (2)، وهذه العبارة الأخيرة لجونز (هو نشاط ذاتي للمتكلم ) توضح مدي ارتباط النبر بالمتكلم وليس باللغة "كفونيم فوق تركيبي" حيث يتحكم النشاط الذاتي للمتكلم في النبر، وليست قواعد اللغة ، وهذا النشاط الذاتي للمتكلم يرتبط بالطبيعة المزاجية للمتكلم، ومن هنا يأتي الاختلاف في موضع النبر في كثير من الكلمات ، حيث ينبرها المتكلم أو لا ينبرها متأثراً بتلك الحالة المزاجية له في لحظة النطق بالكلمة نتيجة لانفعال ما أو لطبيعة الشخص نفسه أو للعادة الكلامية لجماعته اللغوية.
الأثر السمعي للنبر :
ومن خلال تعريف النبر يصل د. تمام حسان إلي الأثر السمعي للنبر قائلا : والنبر بحكم التعريف ازدياد وضوح جزء من أجزاء الكلمة في السمع عن بقية ما حوله من أجزائها ، ومادام النبر بحسب هذا التعريف وضوحاً سمعيا ، فإن نسبته إلي الكلمات والصيغ خارج السياق نسبة إلي نظام الصرف اقتضاها التحليل ، حيث لا يمكن ادعاء وضوح سمعي في كلمات وصيغ صامتة ، ومرجع هذا الوضوح السمعي إلي عنصرين يرتبط أحدهما بظاهرة علو الصوت وانخفاضه ، وهي ترتبط بدورها بحركة الحجاب الحاجز في ضغطه علي الرئتين ليفرغ ما فيهما من هواء، فيؤدي زيادة كمية الهواء إلي ارتفاع مدي ذبذبة الأوتار الصوتية ، فيكون من ذلك علو الصوت ، ويرتبط العنصر الآخر بتوتر التماس بين أعضاء النطق في مخرج الصوت؛ وبعبارة أخري يأتي النبر من التوتر والعلو في الصوت اللذين يتصف بهما موقع معين من مواقع الكلام (3).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- اللغة العربية معناها ومبناها صــ 170.
-D;JONES The phoneme,Its Nature and use,p.134, 2
3- اللغة العربية معناها ومبناها ، صــ 171.









وظائف النبر :
تختلف اللغات في استخدام النبر في التفريق بين المعاني ، ومن ثم فالنبر ليس فونيماً في كل اللغات التي تستخدمه ، وتسمي تلك اللغات باللغات النبرية، وتتميز اللغات النبرية بأنها ثبت في مكان معين علي المقطع الأول أو الأخير ، أما اللغات التي تستخدم النبر كفونيم ، فيكون موضع النبر فيها حراً، ويستخدم حينئذ للتفريق بين المعاني، أو الصيغ عن طريق تغيير مكانه ، ويستخدم النبر أيضا في وظيفة تشترك فيها كل اللغات النبرية وغير النبرية ، وهي الدلالة علي معان إضافية ، كالتأكيد ويسمي حينئذ Emphatic أو الانفعالية ، ويسمي حينئذ Emotional Stress وهذا النوع الأخير هو ما أشرت إليه عند تعريف النبر : بأنه نشاط ذاتي للمتكلم تتحكم فيه طبيعة هذا الشخص، وما هو فيه لحظة كلامه من حالة مزاجية انفعالية تظهر وظائف النبر في كلامه .
وإلي جانب ذلك يري أندرية مارتينية أن للنبر وظيفة تباينية ، أي أنه يساعد الكلمة أو الوحدة المنبورة بأن تتباين مع الوحدات الأخرى ، من النوع ذاته الموجودة في الكلام ، وذلك فإنه يوجد في اللغة الواحدة نبر واحد وليس نبران ، وإذا وقع النبر في احدي اللغات – دائما- علي المقطع الأخير منها ، كان التباين كاملا كأن الكلمة في هذه الحالة مختلفة اختلافا بينا وواضحا عما سبقها أوما يتلوها . (1) . ومثل هذا النوع من اللغات يتضح من خلال النبر الرتم الذي تسير عليه تلك اللغات وتميزها عن غيرها فتحديد النبر في آخر مقطع في الكلمة والثبات عليه ، وهو رتم خاص بهذه اللغة وصفة مميزة لها .
بل إن أندرية يميل إلي إعطاء النبر قيمة تمييزية حتي في حالة اللغات التي لا يتم فيها تحديد موضع النبر ، حيث لا يعرف المرء فيها مكاناً ثابتاً للنبر ، وأي المقاطع ينبغي نبره حيث يقدم أمثلة من اللغات الأسبانية والإنجليزية تبين من خلالها وظيفة النبر التمييزية ، وأنها الوظيفة الأساسية للنبر في جميع اللغات التي يؤدي فيها النبر وظيفة لغوية وأنه ليس للنبر وظيفة تقابلية ، لكنه يذكر أن هذه الوظيفة التميييزية ( التباينية) قد تطمس بعض الشيء في اللغات التي لا يمكن فيها تعيين موضع النبر مسبقاً ؛ لأن السامع يتعرف علي الكلمة أولا بالنظر إلي القمة التي يرسمها النبر (2).
وهذه القمة التي يرسمها النبر والتي تمكن السامع من التعرف علي الكلمة تبين القيمة الصوتية اللغوية لهذا النبر من خلال ما يصنع من قمم وأودية يتبين من خلال المقابلة بينها نوع هذه الكلمة المنطوقة والتعرف عليها ، ويؤكد هذه الوظيفة التمايزية للنبر د. تمام حسان بقوله : ومن هنا يكون النبر علي مستوي الصيغة والكلمة ذا وظيفة صرفية ،هي تقديم القيم الخلافية التي تفرق مع الكمية بين معني صرفي ومعني صرفي آخر ، ويمكن بواسطتها مثلا أن نفرق بين طوائف من الصيغ مثل ( فعل – فعَل- فاعل – فعيل ) حيث يفرق بين الكلمات الأربع بالكمية وبين الثلاث الأولي وبين الرابعة بالنبر، فيقع النبر في الكلمات الثلاث الأولي علي المقطع الأول وفي الرابعة علي الثاني (3).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ مباديء اللسانيات العامة صــ86 لأندرية مارتينية ت د .أحمد الحمو ،دمشق 1985.
2ـ مباديء اللسانيات العامة صــ 86 . 3ـ اللغة العربية معناها ومبناها 171.
أنواع النبر:
هناك نوعان من النبر هما :
1-النبر الرئيس (الأولي) . 2-النبر الثانوي .
والأولي أو الرئيس " يكون في الكلمات والصيغ جميعا لا يخلو منه واحدة منها، النبر الثانوي، وهو يكون في الكلمة، أو الصيغة الطويلة نسبيا بحيث يمكن لهذه الكلمة أن تبدو للأذن كما لو كانت كلمتين ،أو بعبارة أكثر دقة عندما تشتمل الكلمة علي عدد من المقاطع يمكن أن يتكون منه وزن الكلمتين العربتين ، فكلمة (مستحيل) مثلا يمكن في مقاطعها أن نكون وزن كلمتين عربيتين هما (بعد- ميل) ومن ثم تشتمل علي نبر أولي علي المقطع الأخير ، ونبر ثانوي علي المقطع الأول منها ،ويبقي المقطع الأوسط ، وهو ما يقابل الدال المفتوحة دون نبر (1).
موضع النبر وقواعده في اللغة العربية:
يري د.تمام حسان أن للنبر في اللغة العربية قواعد مطردة ،بل إن اطرادها ربما كان أثبت من اطراد قواعد النحو(1)ويري أن هناك نوعين من النبر هما :
1- نبر القاعدة أو نبر النظام الصرفي الذي نسبناه إلي الصيغة الصرفية المفردة، والكلمة التي علي مثال هذه الصيغة ،وهذا النبر يسمي نبر الاستعمال أو نبر الكلام والجمل المنطوقة ،ولهذا النبر أثر سمعي يرجع إلي أسباب عضوية محددة(2). وهذا النوع الثاني هو ما يمكن ملاحظته في الكلام المتصل، وخصوصا عند قراءة القرآن ، حتي إن د.ابراهيم أنيس عندما أراد تحديد موضع النبر في اللغة العربية لجأ للقراء المشهورين لهذا السبب ، ثم حدد موضع النبر علي أساس ذلك ، بقوله (ليس لدينا من دليل يهدينا إلي موضع النبر في اللغة العربية كما كان ينطق بها في العصور الإسلامية ، ...أما كما ينطق بها القراء الآن في مصر ، فلها قانون تخضع له ولا تكاد تشذ عنه ، ويمكن أن يلخص بأنه لمعرفة موضع النبر من الكلمة العربية ،نبدأ أولا بالنظر للمقطع الأخير:
أ- فإذا وجدناه من النوع الرابع أو الخامس ، فهو إذن المقطع الهام الذي يحمل النبر، ولا يكون هذا إلا في الوقف ، فالنبر في الكلمة العربية لا يكون علي المقطع الأخير إلا في حالة الوقف ،وحين يكون المقطع الأخير من النوع الرابع أو الخامس000 ففي الوقف علي (نستعين) في قوله تعالي ( إياك نعبد وإياك نستعين ) أو علي المستقر في قوله تعالي (إلي ربك يومئذ المستقر ) نجد النبر علي المقطعين (عين) و( قر ) .
ب- أما إذا كانت الكلمة غير منتهية بهذين النوعين من المقاطع ، كان النبر علي المقطع الذي قبل الأخير بشرط ألا يكون هذا المقطع من النوع الأول ، ومسبوقا بمثله من النوع الأول أيضا ... مثل استفهم أو ينادي أو قاتل أو يكتب ، ففي المثالين الأخير رغم أن المقطع الذي قبل الأخير من النوع الأول لم يسبق بمقطع مثله من النوع الأول .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- اللغة العربية معناها ومبناها 172.
2- اللغة العربية معناها ومبناها 172 .
ج- أما في الفعل الماضي الثلاثي مثل كتب وفرح ,وصعب ، فالنبر يكون علي المقطع الثالث حين تعد المقاطع من آخر الكلمة أي علي ( ك – ف- ص ) ... فجد النبر علي المقطع الثالث حين نعد من آخر الكلمة .
د- وهناك موضع رابع للنبر العربي، وإن كان نادراً، وهو حين تكون المقاطع الثلاثة التي قبل الأخير في الكلمة من النوع الأول مثل ( بلحة – عربة – حركة ) ففي هذه الحالة يكون النبر علي المقطع الرابع حين نعد مقاطع الكلمة من الآخر أي علي ( ب – ع – ح ) ( 1).
ويضيف د.عبد الصبور شاهين ملاحظة قيمة علي طبيعة النبر في اختياره للمقطع حين يفضل المقطع الأخير حين يكون من النوع الرابع و الخامس والسادس ، حيث يختار هذا المقطع ليرتكز عليه ، فإن النبر يرتكز علي مساحة هذه المجموعة في الوقف أصلاً ؛لأن المقطع المنبور يمثل قمة في المجموعة ، علي حين يمثل بقية المقاطع الواقعة بعده القاعدة التي تحمل القمة ، بل إن النبر يتركز أساساً علي الحركة التي هي (نواة) في المقطع حين ينفرد بالنبر آخر الكلمة ، فإذا تحملت الحركة النبر بقي من عناصر المقطع ما يكفي لاستيفاء حق الوقف اعتمادا عليه ، وحين يتكرر المقطع المديد في الكلمة استثناء مثل (الضالين)، فإن الكلمة تتحمل نبرين متتابعين علي المقطعين المديدين : ضال / لين ، وهو أمر يظهر لدي قراء القرآن فيما يسمونه بالمد اللازم المثقل .

وكذلك إذا ما وقفنا علي مقطع من النوع السادس ( المتمادي) (التقاص) فإن مساحته البنيوية تسمح للنبر أن يتم علي الحركة (النواة) قبل أن يتلاشي الصوت في الوقف ، اعتمادا علي بقية المقطع ، بل إن هذا هو شأن هذا المقطع في حالة الوصل أيضاً ،لكنه يتحول إلي مقطع مديد من النوع الرابع متبوع بمقطع قصير(2).
وهذا ما لاحظته في نهاية أغلب آيات سورة الواقعة من وجود مقطع مديد في نهاية كل آية يتيح للنبر أن يوجد عليه فيحدث نغما خاصا به يتكرر مع نهاية كل آية كما سنري ، وهذا ما لاحظه بروكلمان عندما قال ( في اللغة العربية القديمة ، يدخل نوع من النبر تغلب عليه الموسيقية ، ويتوقف علي كمية المقطع ، فإنه يسير من مؤخرة الكلمة نحو مقدمتها ، حتي يقابل مقطعا طويلا فيقف عنده ، فإن لم يكن في الكلمة مقطع طويل فإن النبر يقع علي المقطع الأول منها). (3)وكأن النبر يبحث عن ركيزة ينطلق منها كما ذكر د. عبد الصبور شاهين وهي في الآيات تكون في نهاية الفاصلة (غالبا) لتكون مع الفاصلة التالية لها نغما موسيقيا متناسقا متكررا مع نهاية كل آية .
إذن نحن في حاجة لمعرفة موضع النبر في الآيات لتتبين من خلاله التناسق الحادث بين نهاية الآيات‘ وما يكونه من نغم صوتي نحسه، ولا نعرف مصدره .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الأصوات اللغوية 140.
2علم الأصوات 203.
3فقه اللغات السامية بروكلمان ، ترجمة د.رمضان عبد التواب . مطبوعات جامعة الرياض سنة 1977.
العلاقة بين النبر والمقطع
إن ثمرة العلاقة بين النبر والمقطع هي أساس تكوين الإيقاع ، فالمدخل إلي دراسة الإيقاع لا يكون إلا من خلال معرفة المقاطع اللغوية العربية المختلفة الكميات ،وما يتصل بذلك من قواعد النثر في الكلام ، ويقول د. تمام حسان ( إن النبر في السياق ربما يختلف عن النبر في
الأفراد فتحكمه مطالب أخري هي مطالب الإيقاع في السياق المتصل ) ( 1 )
فالإيقاع في حقيقة أمره يتكون من التناسق الحادث بين مقاطع الكلمات، والنبر المتنوع المصاحب لهذه المقاطع ، ولهذا عند البحث عن سر إيقاع عبارة أو سياق محدد لابد من معرفة مقاطع هذا السياق، ومواضع النبر فيه (فإذا تأملنا النص المتصل السياق لاحظنا أنه يشتمل علي كلمات تختلف طولا وقصرا بين أن تكون علي حرف واحد كباء الجر ولامه ، وبين أن يكون علي عدد أكبر ، حتي إن الكلمة قد تكون فعلا من ستة أحرف أو سبعة أحرف أسند إلي ضمير متصل زاد علي حروفه نحو يستخرجون ويستغفرون ، فإذا عطف هذا الفعل كما في (فسيكفيكهم )... إذا تحف باللفظ عناصر الزيادة ... فإذا علمنا أن هذه العناصر التركيبية الجامدة ... قد تقل حروفها حتي لا تصلح للإفراد ، أدركنا أنها قلما يصدق عليها ما تقدم إيضاحه من نبر الكلمة المفردة ، ولكنها مع ذلك جزء من السياق لا يمكن تجاهله في الاستعمال ، أي عند الأداء الفعلي للكلام، وهكذا نجد تدخل هذه العناصر في مجري السياق يفرض علي السياق توزيعا جديدا للنبر يقسم أصوات السياق إلي دفعات ، كل دفعة منها بوزن كلمة عربية حتي إن امتدت هذه الدفعة علي نهاية الكلمة وبداية ما بعدها ، فمزجت نهاية السابقة، وبداية اللاحقة في خفقة واحدة من خفقات النفس عند التكلم . إن توالي هذه الدفعات أو الخفقات غير المرتبطة بحدود الكلمات المفردة بدءا ونهاية هو ما نعرفه بالإيقاع في الكلام ) (2). إذن هذا الإيقاع يتكون من تغيير نسق المقاطع وتنوع النبر في السياق مما ينتج عنه هذا الإيقاع الخاص بهذا السياق .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- البيان في روائع القرآن 266. 2- المرجع السابق262.
البــــــاب الـــــثاني المـــقــطــع والــنبر في سورة الواقــعـة
الفـــــــــــــــصل الأول الإيقاع بين المقطع والنبر
الفصل الثاني
دراسة المقطع والنبر في سورة الواقعة
الفـــــــــــــــصل الأول
الإيقاع بين المقطع والنبر
يمثل المقطع والنبر عنصرين أساسين من عناصر الفونيمات فوق التركيبية ، ولهذا اخترتهما ليكونا موضوع الدراسة للفونيمات فوق التركيبية في سورة الواقعة , وسورة الواقعة مكية ‘ قاله ابن عطية بإجماع من يعتد به من المفسرين ‘ وقال القرطبي عن قتادة وابن عباس باستثناء قولة تعالي ( وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون )نزلت بالمدينة (1) وقد ذكر د. عبد الصبور شاهين أن "أهم النصوص النثرية التي تحقق فيها عنصر الإيقاع سور القرآن الكريم المكية ذات الآيات القصار المتساوية في التكوين حيث يقول : غير أن الشعر لا ينفرد بالاعتماد علي عنصر الإيقاع ، فهناك أنواع من النثر تعتمد عليه كذلك ،ولا سيما النثر الخطابي الذي يستخدم اللغة الانفعالية ... فالإيقاع عنصر يختص بالجمل ‘ ولا يتركز علي مقطع أو مجموعة معينة ، علي حين أن النبر يختص بالكلمة ،أي مجموعة الأصواتية، ويتركز علي مقطع بذاته منها ‘ طبقا لنظام خاص بكل لغة علي حدة (2).
ثم يذكر مثالا علي السور المكية من أول سورة الرحمن، وذكر بعده ( تجد أن تساوي التكوين في الآيات قد أبرز عنصر الإيقاع إبرازا مدهشا ،وهو أمر أساسي في بناء القرآن المكي في الغالب ). وهذا القول جعلنا نتدبر آيات سورة الواقعة ،وهي التي تلي سورة الرحمن وهي مكية أيضا ؛ لنري ما فيها من الإيقاع الصوتي المتميز، الذي تعاون في تكوينه كل من النبر والمقطع ‘وعناصر صوتية أخري سوف نذكرها بعد الحديث عن النبر والمقطع .
الإيقاع القرآني :
قبل أن ننطلق مع بعض عناصر الإيقاع في القرآن في النبر والمقطع لابد أن نفهم فكرة الإيقاع أكثر؛ لأن هذه الآيات المحكمات تجمعت فيها عناصر الإيقاع، فكونت نغما خاصا بها جذب القلوب إليها بدون أن نعرف سره .
إن الإيقاع في القرآن ليس نتيجة اتحاد كميات الكلمات، مما يؤدي إلي تشابه بينهم ليؤدي إلي وقوع النبر فيها علي صورة واحدة ،فيجئ الإيقاع متساوي المسافات رتيبا مملا , يقول د.تمام ( ولكن اختلاف الكلمات طولا وقصرا وتجردا وزيادة واتصالا و انفصالا حال دون هذه الرتابة وذلك الملل وجعل للغة إيقاعا لا مجرد وقع ، ولكن الإيقاع المقصود هو إيقاع في نطاق التوازن ، لا في نطاق الوزن ، فالوزن في العربية للشعر، والتوازن في الإيقاع للنثر ،والذي في القرآن إيقاع متوازن لا موزون.
"إن الوزن والتوازن كليهما من صور الإيقاع ،وهما أيضا من القيم الصوتية التي تصلح أن تكون مجالا للفن والجمال ... أما التوازن فيكفي أن تنصت إلي صوت قارئ مجيد يرتل القرآن الكريم ...وستري عندئذ أن ما في القرآن من جمال الوازن قد يجاوز أحيانا جمال الوزن ،وانظر كذلك إلي الكثير من أساليب الترتيل ـ وبخاصة ما بني منها علي قصار الجمل ـ وسوف تري لها جاذبية خاصة تجذب إليها انتباهك، وتمنح أذنك من المتعة ونفسك من الارتياح مالا تجده في بعض الشعر والغناء 0
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ التحوير والتنوير مجلد 11 ج 27 ص 279 الطاهر بن عاشور 0 دار سحنون للنشر تونس 1997.
2 ـ علم الأصوات ص200 .
وكلما تقاربت أعداد المقاطع بين النبرين أو انتظم اختلاف بعضها عن بعض حسن إيقاعها والعكس صحيح ‘ بمعني أن هذه الكلمات بين نبر وآخر إذا تباينت ‘ولم تتقارب أحس السامع كأن المتكلم يتعثر في مشيته ،بل إن المتكلم نفسه لا بد أن يحس هذا الإحساس 0 أما هذا التقارب وذاك الانتظام فهو الذي تجده في إيقاع الأسلوب القرآني (1).
ونلاحظ في كل هذا الكلام للدكتور تمام أن الإيقاع القرآني يقوم علي عنصرين أساسين هما :النبر والمقطع ‘ فلو حاولنا فهم الإيقاع الموجود في آيات سورة الواقعة نلاحظ هذين العنصرين (المقطع والنبر ) لبدت لنا صورة الإيقاع في سورة الواقعة أوضح .
الإيقاع والفاصلة :
الفاصلة هي نهاية الآية وتشبه نهاية البيت ( القافية ) ،ولكنْ هناك فروق كثيرة ‘ أولها وأهمها أن القرآن ليس كالشعر، وهذا ما أراد الحق تبارك وتعالي أن يث
المشرف العام
المشرف العام
Admin

عدد المساهمات : 29
تاريخ التسجيل : 13/06/2010

http://almadawe.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الفونيمات فوق التركيبية في سور ةالواقعة  أ  د. عطية سليمان أحمد الجزء الأول Empty الفونيمات فوق التركيبية في سور ةالواقعة أ د. عطية سليمان أحمد الجزء الثانى

مُساهمة  المشرف العام الإثنين 14 يونيو 2010 - 5:42

1 ـ البيان في روائع القرآن 269 ـ 270 .
يصلح أن يكون قافية : فالواو والميم في الشعر لا تقفو الياء والنون ، وكذلك لا يكفي للقافية أن تعتمد علي المد الضيق دون نظر إلي ما بعده من بيت الشعر …، وكذلك لا يكفي القافية أن يكون الحرف الأخير ألفا مطلقا إذا اختلفت حركات ما قبلها وسكن به ، فلا يعد من التقفية أن تتوالي كلمات مثل :عجبا ـ همسا ـ تسليما … كما في سورة الأحزاب ، و مغزى ذلك أن مطالب الفاصلة تختلف اختلافا تاما عن شروط القافية ، ) (1)
هذا رأي د . تمام عن الفاصلة والقافية، و نضيف إلي ذلك السؤال التالي : ما هي الفاصلة ؟
الفاصلة : هي تلك الكلمة التي في نهاية كل آية وبداية آية أخري ، فهي تختلف عن القافية
الشعرية في :
أ ) أن القافية تأتي في نهاية كل بيت مسبوقة بكلمات متساوية في الوزن مع البيت الذي بعده ‘ فهي تأتي بعد عدد محدد ( تقريبا ) من الأصوات، وتنتهي بالصوت نفسه الذي في البيت التالي والسابق لها. وهذا لا يحدث في الفاصلة فهي تأتي بعد عدد من الكلمات والأصوات غير المتطابقة من حيث الوزن والنوع مع الآية التي تليها أو تسبقها ، ولهذا يختلف محتوي الآية مع الآية الأخرى ،ولا يختلف محتوي البيت مع الذي بعده أو قبلة ، إلا في السور ذات الآيات القصيرة
(كما في سورة الرحمن والواقعة ) ، ولهذا نري إلحاح العلماء علي ملاحظة مثل هذه الصور صوتيا ، حيث يظهر الإيقاع في التناسق الصوتي الحادث بين تلك الآيات 0
ب) يشير د0 تمام إلي أن الفاصلة لا تلتزم ما يلتزم به الشعر من صوت واحد في نهاية القافية ، ونضيف إلي ما قاله عالمنا الجليل أن الفاصلة لم تلتزم بما التزمت به القافية الشعرية ، بل التزمت بالمقاطع المتماثلة في نهاية كل فاصلة 0 فالمقطع الأخير والذي يحتوي علي صوت مد (صوت ضيق كما يقول د0 تمام ) فتكون لنا مقطعا من النوع الرابع ( ص ح ح ص ) يتكرر في نهاية كل فاصلة في سورة الحج التي استشهد بها ‘وهذا الالتزام أغناه عن الالتزام بتكرار الحرف الأخير فكون نغماً خاصا به بعيداً عن القافية ذات الصوت الواحد المتكرر بالمقطع المحتوي علي مجموعة أصوات متشابهة ، فكان البديل عن القافية التي في الشعر :
1 ـ الالتزام بالمقطع الواحد في نهاية كل فاصلة غالبا ،
2 ـ وكذلك النبر ا لشديد الموجود علي هذا المقطع.
3 ـ الالتزام بوزن واحد في كل فواصل هذه السورة غالبا وهو وزن فعيل : عظيم ـ شديد ـ مريد ـ سعير ـ بهيج ـ قدير ، ثم ينتقل إلي وزن قريب منه ليكسر الملل، ثم يعود إليه وهو وزن فعول بإبدال الياء والواو ، ثم العودة السريعة إلي الياء حتي لا يغلب عليه نظام الشعر حتي في هذا الجانب ‘ بل يحطم ذلك التكرار بكلمة ( قبور ) بعد الفاصلة السادسة وبكلمة ( يشاء ) بعد الفاصلة السابعة عشرة ثم يعود سريعا إلي (فعيل ) ثم يذكّر بالفاصلة الأولي ( فعول ) بفاصلة
(جلود) بعد (فعيل ) ، ثم يستمر مع فعيل مرة أخرى ‘ ثم يعود سجود ... هكذا ، والعجيب في ذلك هو التبادل بين فعيل و فعول التي لا يمكن أن يدخل تحت قاعدة تحكمه ، بل هو في تناوب وتبادل غير محدد فلا تتوقع الكلمة القادمة كما في قوافي الشعر ، بل يفاجئنا مع نهاية كل فاصلة
بشيء جديد ، ولكن يغلب علي الآيات وزن فعيل مع أغلب الفواصل ‘ثم يليه فعول ‘ إلي جانب هذا التوالي والتتابع الذي لا خروج عنه ‘وهو توالي المقطع الرابع فالالتزام هنا مقطعي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البيان في روائع القرآن 270 289 .
4 ـ الالتزام بوجه واحد من وجوه الإعراب ، كما نري في سورة الأحزاب التي تمسكت بحالة النصب في كل الفواصل مما أدي إلي تحويل المقطع الرابع في نهاية الفاصلة إلي مقطعين لوجود النصب ‘ فأصبح الحرف الأخير ألفا مطلقا رغم اختلاف حركات ما قبلها وسكناتها ‘ فلو نظرنا إلي هذه الآيات من سورة الأحزاب لوجدنا الفاصلة الأولي تنتهي بقوله تعالي ( إن الله كان عليما حكيما ) فالكلمتان الأخيرتان تتفقان في الوزن فعيل والإعراب بالنصب (خبر كان ) والحرف الأخير ( الميم )قبلها ياء مد ‘ وكلاهما يتكون من التركيب المقطعي نفسه: ع / لي / م + ن ـــ ح / كي / م + ن ، و هو التركيب المقطعي نفسه للكلمتين إذا وقفنا عند كل كلمة مع تنوينها ونصبها ، ثم تأتي الفاصلة التالية علي الوزن والتركيب المقطعي نفسه مع تغيير في الحرف الأخير من الميم إلي أقرب الأصوات للميم وهو الراء ‘ ثم الفاصلة التي بعدها مع غير الراء وهو اللام ‘ والمعروف أن كلا من اللام والراء والميم يتم التبادل بينهما ‘ ويتم التبادل بين الفواصل في نهاية كل السور بين هذه الأصوات ‘ وكأنها صوت واحد في نهاية كل فاصلة ‘وكأنها قافية وليست بقافية بل هي أصوات ذات نغم وحد وجرس واحد فكان بديلا للقافية .
بل إن الحق تبارك وتعالي يكسر هذا التكرار بأصوات أخري مثل الزاي والقاف ،ولكن مع الوزن نفسه فعيل نحو( عزيزا ـ فريقا ) أو بوزن قريب هو مفعولا نحو ( مقدورا ـمعروفا)
إن هذا الاختلاف في نهاية الفواصل ، والاتفاق الذي يتم في بعض العناصر الصوتية التي أشرت إليها لهو قمة من قمم الإعجاز القرآني ‘ حيث لا يلبس المرء أن يهتدي لعنصر صوتي يشير إلي تكرر نغم معين حتى يفاجأ بكسر هذا العنصر وظهور عنصر أخر.
يقول د. تمام حسان عن سر جمال الفاصلة ( تأتي الفاصلة في نهاية الآية لتحقق للنص جانبا جماليا لا يخطئه الذوق السليم ؛لأننا مهما يكن من شيء نحس أنها تضفي علي النص قيمة صوتية منتظمة ينقسم سياق النص بها إلي وحدات صوتية تعد معالم للوقف وللابتداء، وتتضافر مع الإيقاع الذي سبق شرحه فينشأ من تضافرهما أثر جمالي لا يبعد كثيرا عما نحسه من وزن الشعر وقافيته ‘ ولكن هذا الأمر يختلف عن ذلك بالحرية من كل قيد تفرضه الصنعة علي الوزن والقافية ... والفاصلة قيمة صوتية ذات وظيفة نراها في كثير من آيات القرآن ،وربما أدت رعايتها إلي تقديم عنصر أو تأخيره من عناصر الجملة ، ... وهذه الوظيفة جمالية تستحق الرعاية ، ولو تعارضت رعايتها مع بعض أنماط التراكيب النحوية ) (1) .
ومن هذا نري أن عناصر التناسق الصوتي في الفاصلة يأتي من تحقيق التناسق بين المقاطع وبين تساوي مواضع النبر، فيصنع ذلك إيقاعا مميزا مع كل فاصلة ، كما سنري من خلال هذا البحث .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البيان في روائع القرآن 279 ـ 283 .
الفصل الثاني دراسة المقطع والنبر في سورة الواقعة
إن من يقرأ هذه السورة يجد أنها مقسمة إلي مجاميع صوتية متناسقة ‘ كل مجموعة منها تمثل إيقاعا مستقلا خاصا بها ‘ وتحتوى هذه المجموعة علي ثلاث آيات أو أكثر أو أقل ‘ ثم تليها مجموعة أخرى بنفس العدد من الآيات يزيد أو يقل ، وبين المجموعتين آية تعتبر مفصلا أو ركيزة للانتقال من إيقاع إلي إيقاع آخر ، و تجمع هذه الآية بعض الخصائص الصوتية من المجموعتين تمهيدا لهذا الانتقال من المجموعة الأولي إلي الثانية ‘ وكأن المتكلم يعبر جسرا ينقله من نغم إلي نغم أو من إيقاع إلي إيقاع آخر ، مما ينفي عن تلك الآيات صفة الملل والرتابة ‘وقد سميتُ هذه الآية بالركيزة .
وقد قسمتُ هذه السورة إلي مجاميع ‘ فوجدت أنها تحتوي علي سبع عشرة مجموعة ‘ سوف نتناولها بالدراسة كل مجموعة علي حدة ‘ ثم ننظر إلي بعض المجاميع، والتي تكون لوحات تمثل كل لوحة موقفا من المواقف والأحداث التي وردت في السورة .
المجموعة الأولي
بسم الله الرحمن الرحيم :{ إذا وقعتِ الواقعةُ {1} ليس لوقعتها كاذبة {2} ، خافضة رافعة {3}
أولا المقاطع:
تتكون هذه المجموعة من ثلاث آيات قصار، ومن عدة مقاطع ، ولتحقيق الانسجام الصوتي نجد تناسقا بين هذه المقاطع وخصوصاً عند نهاية كل فاصل من فواصل هذه الآيات : ( الواقعة ـ كاذبة ـ رافعة )
التحليل المقطعي :
إذا وقعت الواقعة ( 1) ليس لوقعتها كاذبة ( 2 ) خافضة رافعة (3)
إ/ذا/و/ق/ع/تل/وا/ق/عة ل ى/س/ل/وق/ع/ت/ها/كا/ذ/بة (*) خا/ف/ض/ة ن/را/ف/عه
1/2/1/1/1/3 /2 /1/3 3 /1/1/ 3 /1/1/ 2/ 2/1/3 2/1 /1 /3/2/1/3
نجد في هذا التحليل أن هذه الآيات انتهت بفواصل متحدة في المقاطع تماما ، وذلك أهم عناصر تأثيرها الصوتي لتحقيق القيمة الصوتية للفاصلة ،ليس بالعناصر التي أشار إليها د/تمام فحسب ،بل يضاف إلي ذلك عنصر التناسق المقطعي بين الفواصل ، فهي متفقة تماما ،بل إنها أيضا متفقة ككلمات من حيث الوزن والحركات والسكنات فكلها علي وزن فاعلة ، والمقطع الثالث(عة ـ بة ـ عة ) وهو نهاية الفاصلة ،ومنتهية بصوت واحد :التاء المربوطة ، وهو مسبوق بمقطعين متماثلين في كل الآيات (وا+ق) (كا+ذ) (را+ف) من النوع الثاني والأول ، ومعني ذلك أن التماثل المقطعي تكرر في كل الآيات .(2+1+3) فتكوّن لنا نغما وإيقاعاٍ متماثلا في الفواصل من تكرار المقاطع المتماثلة والمتتالية ،أغني عن تكرار الحروف ، بل أساسه تكرار حركة المقطع (الطويل ـ القصير ) .
ثانيا النبر:
وبناء علي نظرية تحديد موضع النبر التي ذكرناها آنفا نقلا عن د.إبراهيم أنيس نجد أن المقطع الأخير من النوع الثالث والذي سبقه من النوع الأول وقبله مقطع من النوع الثاني، وقد أشار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) الرقم هنا هو رقم المقطع ( /) بداية المقطع ، وهذه نون التنوين (ن) .
د.أنيس إلي موضع النبر في مثل هذه الحالة قائلا ( أما إذا وجدنا الكلمة لا تنتهى بهذين النوعين من المقاطع كان النبر علي المقطع الذي قبل الأخير، بشرط ألا يكون هذا المقطع من النوع الأول ومسبوقاًٍ بمثله من النوع الأول أيضا.وموضع النبر في الكثرة الغالبة من الكلمات العربية هوالمقطع الذي قبل الأخير مثل استفهم أو ينادي أو قاتل أو يكتب، ففي المثالين الأخيرين رغم أن المقطع الذي قبل الأخير من النوع الأول لم يسبق بمقطع نظير له من النوع الأول أيضا)(1).
وموضع النبر في الكثرة الغالبة من الكلمات العربية هو المقطع الذي قبل الأخير مثل استفهم أو ينادي أو قاتل أو يكتب ‘ ففى المثالين الأخيرين رغم أن المقطع الذي قبل الأخير من النوع الأول لم يسبق المقطع نظير من النوع الأول أيضا .
وقد سمي هذا النوع الثالث الدكتور تمام حسان بالمتوسط , وسمي النوع الأول بالقصير، وذكر موضع النبر في هذه الحالة قائلا ( يقع النبر علي المقطع الذي قبل الأخير في الحالات الآتية:
إذا كان ما قبل الأخير قصيرا والأخير متوسطا أو قصيرا في كلمة ذات مقطعين أو مبدوءا بهمزة وصل قبلها كما في : كُتبُُ ـ صورـ انطق ـ اخرجي ـ ارعوا )(2) وهذا يعني أن النبر هنا علي المقطع قبل الأخير في الكلمات الثلاثة وهو من النوع الأول ويليه المقطع الأخير من النوع الثالث أي المتوسط ، فيكون النبر علي المقطع : ( قَِِِ) (ذ) و (فِ) في كلمات الفاصلة ِ علي التوالي ( الواقعة ـ كاذبة ـ رافعة ) .
ثالثا : عناصر صوتية أخري :
هناك عناصر صوتية أخري في داخل الآية تشارك في تكوين الإيقاع الخاص بها ،مثل :
أ)التصريع :
نلاحظ في الشعر الالتزام بالوزن والقافية في نهاية كل بيت ، ويمتد هذا الالتزام أيضا في شطري مطلع القصيدة علي نية التصريع كما في بيت أحمد شوقي :
( سلوا قلبي غداة سلا وتابا لعلّ علي الجمال له عتابا )
وهذا الالتزام في بعض القصائد كوجود التصريع في مطلع القصيدة يكون باتفاق نهاية شطري البيت الأول كما في (تاب ـ عاب) ،و نجد لهذا شبيها في الآيات القرآنية ، حيث يتم التحضير للفاصلة التي في نهاية الآية ، وذلك بذكر كلمة في وسط الآية تتطابق مع كلمة الفاصلة ،وكأنها تحضر المستمع لتلقي هذا الإيقاع الناتج عن التجانس الصوتي بين كلمة في وسط الآية مع كلمة في نهايتها ،وذلك بإحدى هذه الوسائل:
1 ـ الفعل (وقعت ) في وسط الآية يكون مع مصدره (الواقعة) ذلك الإيقاع :إذا وقعت الواقعة
الفعل (رُجّتْ) في وسط الآية يكون مع مصدره (رجا) ذلك الإيقاع :إذا رجت الأرض رجا
الفعل (بُست) في وسط الآية يكون مع مصدره (بسّا) ذلك الإيقاع : وبُست الجبال بسا
2 ـ تكرار العبارة نفسها نحو : أصحاب الميمنة * ما أصحاب الميمنة ) .
3 ـ تكرار الكلمة الخاصة بالفاصلة نفسها نحو : ( السابقون ، السابقون ) .
فبكل هذه الطرق المتنوعة أمكن التحضير للفاصلة ؛ ليكوّن اجتماع كلمتين الانسجام الصوتي ، وكأنهما تصريع بين شطري البيت مع الاختلاف بينهما (أي الشعر والقرآن ).
ب ) صوت العين :
يتكرر في المجموعة صوت العين في الفاصلة الأولي والثالثة ( الواقعة ـ رافعة ) وفي وسط الآية الأولي ، والثانية (وقعت ـ لوقعتها ) فيحدث بتكراره في وسط الآيات وآخرها هذا النغم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ الأصوات اللغوية د.إبراهيم أنيس مكتبة الأنجلو بالقاهرة ص.140
2 ـ البيان في روائع القرآن 263.
ج)عناصر الإيقاع في المجموعة :
تتعاون مجموعة من العناصر الصوتية في تكوين الإيقاع الخاص بهذه المجموعة منها :
1 ـ الفاصلة : المتطابقة في عدد مقاطعها ونوعها وترتيبها وموضع النبر وحرفها الأخير ( ة )،
2 ـ كثرة صوت العين 3 ـ التطابق في عدد المقاطع في الآية الأولي والثانية كأنه تصريع.
4 ـ التمهيد والتحضير للفاصلة في وسط الآية باستخدام وسائل صوتية مختلفة .
المجموعة الثانية
إذا رُجّت الأرض رجّا{4}وبُسّت الجبال بسًّا{5} فكانت هباء مُنبثـّا{6}
أولا : التحليل المقطعي :
إذا رُجّتْ الأرض رجّا {4} وبُسّتْ الجبال بسًّا {5} فكانت هباء مُنبثاّ
إ/ذا/رج/ج/تل/أر/ض/رج/جا و/بس/ٍس/تل/ج/با/ ل /بس/سا ف/كا/نت/ه/با/ء+ن/من/بث/ثا
1/2 /3/1/3 /3 /1 /3 /1 1 /3 /1 /3 / 1/2/ 1 /3 /1 1/ 2/ 3 /1/2/ 3/ 3/ 3 /1
جاءت هذه المجموعة كسابقتها في ثلاث آيات ،تحتوي علي فواصل : رجا / بسا / منبثا وتنتهي كلها بمقطعين الأخير من النوع الأول والذي قبله من النوع الثالث، فكان المقطع قبل الأخير موضع النبر؛ لأنه من النوع الثالث يليه مقطع من النوع الأول ،وتكرر ذلك بكل الفواصل
ملاحظات علي التكوين المقطعي :
1 ـ إن نهاية الفواصل كلها تحتوي علي مقاطع من نوع واحد ، وهذا يعني أن تلك الفواصل تنطق بطريقة واحدة ، وبنفس الخفقة الواحدة التي يخفقها الصدر مع كل مقطع ؛ لأنها من مقطع واحد( الأول ) وقبله مقطع آخر يماثله في كل الفواصل من النوع الثالث، مما يجعل الخفقتين الأخيرتين متماثلتين في الفواصل المجموعة كلها ، وفي المقطع قبل الأخير موضع النبر مما يجعل الإيقاع متساويا متماثلا بين فواصل المجموعة لتساوي المقاطع وموضع النبر فيها .
2 ـ عدد المقاطع في هذه الآيات واحد، وهو تسعة مقاطع، وهذا يعني أن كمية الأصوات فيها متشابهة،وإن لم تكن متطابقة ، وهذا يستوجب أن يكون عدد الخفقات فيها واحدا أيضا .إن هذا التطابق بين عدد المقاطع في الآيات يعطي نغما ساحرا خفيا وبالإيقاع الواحد ،وإلي جانب ذلك عدم التطابق بينهم في توزيع المقاطع داخل كل آية ، فلكل آية تناسق وتسلسل مقطعي مختلف عن أختها لينوع الإيقاع داخل الآيات ، ولا يتطابق بل يتشابه ،وهذا التنوع والاختلاف في توزيع نفس العدد من المقاطع هو سر هذا النغم الآتي من تناسق المقاطع وترتيبها ، ولو جاءت بالترتيب نفسه لشعر المستمع بالملل و الرتابة لتكرار الإيقاع نفسه.
3 ـ إن هذا العدد من المقاطع في هذه المجموعة هو نفسه عدد مقاطع المجموعة السابقة ، مع اختلاف واحد في الآية الأخيرة من المجموعة الأولي ( خافضة رافعة ) حيث جاء العدد أقل من


آيات كل المجموعة بمقطعين ، وهذا أيضا يحدث تنوعا في الإيقاع بتنوع عدد المقاطع في وسط عدد ثابت من المقاطع ومتكرر، وكأنه هزة لإيقاظ السامع من رتابة التكرار ،بتنوع الإيقاع الناتج عن اختلاف طول الآيات .
4 ـ إن فواصل هذه المجموعة جاءت علي نمط مختلف عن سابقتها . فكل مقطع أخير في هذه الفواصل جاء في كلمة منتهية بصوت مشدد ( رجّا ـ بسّا ـ منبثّا ) وهذا يعني أن طريقة نطق المقطع الأخير في كل فاصلة واحدة . وهو يختلف عن طريقة نطق المقطع الأخير في المجموعة السابقة ،إذن هناك اختلاف بين فواصل المجموعتين في نوع المقطع الأخير والذي قبله، وقد أشار إلي هذا الاختلاف والتنوع وأثره علي إيقاع الآيات د .تمام حسان الذي سمي هذا الاختلاف بالتوازن قائلا : لو اتحدت الكلمات فتشابهت في بنيتها لوقع النبر علي صورة واحدة 000 ولجاء الإيقاع متساوي المسافات رتيبا مملا كوقع خطوات المشي 000 ولكن الإيقاع المقصود هو إيقاع في نطاق التوازن لا في الوزن 000 والذي في القرآن إيقاع متوزان لا موزون (1)
5 ـ ونلاحظ أيضا أن هذا التشديد ينطلق من وسط الآية لنسمع صداه في نهايتها عند الفاصلة في نغم متآلف مع التشديد الذي في الفعل في وسط الآية ،ومصدره الذي في نهايتها .حاول تكرار :رجت رجاـ ست بسا ـ منبثا) ،و لاحظ هذا التشديد الذي جعل الكلمة مقسمة لمقطعين ( الأول من النوع الأول ،والثاني من النوع الثاني) وهذا يعني أنهم جميعا ينطقون بالصورة نفسها ،وفي شكل خفقات واحدة متماثلة متطابقة ينتج عنها إيقاع واحد .
6 ـ ناهيك عن هذا النغم المتسلل عبر هذه الآيات، والمتمثل في صوت الضمة الموجودة علي الفعل الأول رُجت ، والفعل الثاني بُست ، وعلي فاصلة الآية الأخيرة مُنبثا ، وهذا الصوت لا نجده في المجموعة الأولي ، باستثناء ضمة الإعراب ، فنلاحظ حسن التوزيع لمواضع الضم في آيات المجموعة ، حيث توافق الضم مع الفعلين : رج وبس وتكرر في الآية الثالثة ، ولكن في نهاية الآية ، ومن هذا التنوع نستطيع القول : إن القرآن الكريم سار علي منهج معين في تحقيق الإيقاع في آياته ، وانطلق من مفهومين مختلفين هما:
أ ) المفهوم الأول : التوافق بين الإيقاع الموجود في الآيات المتتالية بعنصر من العناصر الصوتية لتحقيق هذا الإيقاع الصوتي بالمقطع أو النبر أو الصوت.
ب ) المفهوم الثاني : سرعة تبديل هذا العنصر المحقق لهذا الإيقاع المتكرر بعنصر آخر مشابها له في المجموعة التالية، وربما في الآية التالية ، مما ينتج عنه إيقاع خاص متنوع متبدل يصعب أن يوضع في إطار قاعدة تحكمه، وتقيده ،أو تحد من تنوعه كالوزن والقافية .
أثر التكوين المقطعي علي المعني:
نلاحظ في هذه المجموعة تأثير التكوين المقطعي علي المعني ،حيث نجد المقطع الثالث الذي تكّون علي أفعال ومصادرها المشددة كان هذا التشديد مناسبا لهول ذلك اليوم ،فبين أثره علي الأرض والجبال . فلولا التشديد علي تلك الأفعال ومصادرها ما شعرنا بذلك الهول فصوّر لنا ذلك كله المقطع الثالث في المواضع المختلفة من الآيات .
ويشبه هذا ما قاله ابن جني عن أثر تشديد الحرف علي المعني في باب (تصاقب الألفاظ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البيان في روائع القرآن 269.
لتصاقب المعاني) ...من ذلك قول الله سبحانه {ألم تر أنّا أرسلنا الشياطين علي الكافرين تؤزّهم أزّا} مريم 83 ،أي تزعجهم وتقلقهم .فهذا في معني تهزهم هزا، والهمزة أخت الهاء؛فتقارب اللفظان لتقارب المعنيين ، وكأنهم خصوا هذا المعني بالهمزة لأنها أقوي من الهاء ،وهذا المعني أعظم في النفوس من الهز ،لأنك قد تهز ما لا بال له، كالجذع وساق الشجرة ونحو ذلك (1)
عناصر تكوين الإيقاع في المجموعة :
أ) التطابق التام في عدد مقاطع الآيات ب ) اتفاق المقطع الأخير و قبل الأخير في الفواصل
ج ) التنوع في نوع الحرف الأخير في الفاصلة د) تشديد الفعل ومصدره في نفس الآية
هـ) الجمع بين الفعل ومصدره في آية واحدة
المجموعة الثالثة
( وكنتم أزواجا ثلاثة {7} فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة {8} وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة {9} )
التكوين المقطعي :
وكنتم أزواجا ثلاثة {7} فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة {8}
و/كن/تم/أز/وا/ج+ن/ث/لا/ثة ف/أص/حا/بل/مي/م/ن/ة/ما/أص/حا/بل/مي/م/نه
1/3 /3/ 3/2/ 3/ 1/2/ 3 1 / 3/ 2 / 3/ 3/ 1/1/ 1/2/3 /2 /3 /3 /1/3
وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة {9}
و/أص /حا/بل/مش/أ/م/ة/ما/أص/حا/بل/مش/أ/مة
1/3 /2 /3 /3 /1 /1/1/2/3/2/3/ 3/ 1 /3
تتكون هذه المجموعة من ثلاث آيات تنتهي كل فاصلة فيها بالمقطع ( ثة ـ نة ـ مة ) لتكون نغما متجانسا مختلفا عما قبله، وهو مقطع من النوع الثالث ، وتتفق الفاصلتان الأخيرتان علي نفس الوزن والترتيب المقطعي مع تبادل بين الميم والنون في المقطعين ,مما يستوجب علي القارئ استخدام الكمية نفسها من الهواء ليُخرج العدد نفسه من الدفعات الهوائية ، لينتج العدد نفسه من الخفقات ، فينتج العدد نفسه من المقاطع .
أثر التركيب المقطعي علي بناء الجملة :
لتحقيق التناسق يتم الآتي :
أ) نجد الآية الأولي بدأت بحرف الفاء ليكوّن مقطعا من النوع الأول( ف) أصحاب الميمنة في مقابل (و) الآية الثانية ليكوّن مقطعا من النوع الأول :وأصحاب المشأمة وهذا الأمر جعل الآيتين متساويتين تماما في نوع المقاطع وعددها وترتيبها رغم اختلاف المعني وتضاده في الآيتين .
ب) كلا الآيتين السابقتين يمكن أن يقسم لقسمين متساويين في المعني وعدد المقاطع ونوعها وترتيبها ،إذا قرأنا الآية علي دفعتين :فأصحاب الميمنة {سكتة خفيفة } ما أصحاب الميمنة ،فنجد أنهما تساويا تماما مما يعطي الآية إيقاعا متميزا متساويا نتيجة لهذا التوازن ،وكأنهما شطرا بيت من الشعر رغم أنه ليس شعرا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الخصائص لابن جني ج2 146.
ج) إن دراسة القرآن من باب التقسيم المقطعي لآياته يجد الشيء العجيب ، فآيات المجموعة الأولي مقارنة بآيات المجموعة الثالثة تحتوي علي نفس النهاية المقطعية، والصوتية أيضا ، فكل منهما ينتهي بفاصلة تنتهي بمقطع من النوع الثالث ، وصوت التاء المربوطة كما في المجموعة الأولي (عة ـ بة ـ عة ) وفي الثالثة (ثة ـ نة ـ مة ) وكأنه عودة إلي الإيقاع الأول الموجود في المجموعة الأولي وتكراره ، ولكن من خلال أصوات أخري (ث ـ ن ـ م ) ولكن بالمقطع الثالث نفسه ، ناهيك عن صوت التاء المربوطة التي مع الوقف تصبح هاءا ‘ ليحدث هذا الصوت تفريغا لمخزون الهواء في صدر القارئ مع الوقف عنده ، وانتهاء النفس بخروج الهواء من أعماق الحلق ( فالهاء صوت حنجري مهموس )أي يخرج الهواء معه بدون عائق من الوترين ، وينتهي النفس هنا عند الهاء .
النبر:
موضع ا لنبر في الآيتين متطابق تماما ، فهو في الكلمة الأولي ( أصحاب ) علي المقطع الأول فيها (أص) ، وقد تكررت أربع مرات في الآيتين ، أما الكلمتين ( الميمنة ـ المشأمة ) فيأتي النبر علي المقطع الثاني نفسه ، ولكن في هاتين الكلمتين (مي ـ مش ) وهذا المقطع من النوع الثالث أيضا ‘لأنه أكبر المقاطع في الآيتين .
هذا التوازي في موضع النبر جعل في الجملة إيقاعا متساويا بالضغط علي المقاطع المتقابلة ن والمتوازية نفسها في الآيتين ، وفي كل آية علي حدة ،حيث نسمع الإيقاع نفسه في الموضع نفسه، وكذلك الذي يقابله في الآية الأخرى أو يوازيه ، فكون لنا نغما خفيا نشعر به ولا نعرف مصدره ، إنه من انتظام المقطع مع موضع النبر .
يقول د تمام حسان : (كلما تقاربت أعداد المقاطع بين النبرين أو انتظم اختلاف بعضها عن بعض حسن إيقاعها والعكس صحيح ، بمعني أن هذه الكميات بين نبر وآخر إذا تباينت أحس السامع كأن المتكلم يتعسر في مشيته ‘ بل إن المتكلم نفسه لابد أن يحس هذا الإحساس ،أما هذا التقارب وذلك الانتظام فهو الذي نجده في إيقاع الأسلوب القرآني ) (1) ، وهو ما يعنيه بالتوازن في الإيقاع القرآني . ( إن المقصود بالإيقاع ليس هو الوزن المحكم ، وإنما هو التوازن الناشئ عن تقارب الشبه بين المسافات الفاصلة وبين كل نبر ونبر، ثم نري من بعد أن هذا التوازن مصدر رشاقة الأسلوب ، وسبب قوي من أسباب ارتياح النفس له واحتفائها به ( 2) .
الآية الأولي في المجموعة :
نجد عدد المقاطع في هذه الآية أقل من الآيتين التاليتين لها في المجموعة بما يعادل النصف تقريبا ، وكأن هذه الآية مقدمة للآيتين التاليتين لها ، وتمهيدا لها ‘حاملة النهاية المقطعية (ثة) نفسه والمطابقة لما في الآيتين التاليتين ( نة ـ نة ) ،ويمكن اعتبار هذه المجموعة مكونة من خمسة أقسام ، أو مايشبه الأبيات ، نظرا لتكوينها المقطعي .
عناصر تكوين الإيقاع في المجموعة :
أ‌) الاتفاق في عدد المقاطع ونوعها وموقعها في الآيتين الأخيرتين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ البيان في روائع القرآن 270
2 ـ المرجع السابق 272
ب) الاتفاق في نهاية الفاصلة مقطعيا وصوتيا ( أي في الحرف الأخير )
ج) تكرار العبارة في الآية بلفظها نفسه مما أدي إلي تكرار الأصوات والمقاطع نفسها ،والنبر ذاته ،فأدي ذلك إلي نشأة إيقاع متشابه .
أثر التكوين المقطعي علي المعني :
كان التطابق الحادث في الآيتين الأخيرتين ،و انقسام الآية إلي قسمين إحداهما ( إخبار) والثانية ( استفهام ) مع تساو في عدد المقاطع في كليهما أوحي بالدهشة ، و أعطي الرغبة في معرفة الإجابة علي هذا السؤال ، والاستعداد لسماع الرد عليه ( ما أصحاب الميمنة ؟ ما أصحاب المشأمة؟
اللوحــة الأولي:مشهد يوم القيامة
أ) وصف اللوحة مقطعيا :
هذه الآيات تناولت عرضا ليوم القيامة ‘ وما يحدث فيه من أهوال في ثلاث مجاميع ، كل مجموعة تمثل إيقاعا مستقلا وفي جمل قصيرة ، انتهت المجموعة الأولي بمقطع من النوع الثالث (عة ـ بة ـ عة ) وفي المجموعة الثانية بمقطع من النوع الأول (رجا ـ بسا ـ منبثا ) والمجموعة الثالثة بمقطع من النوع الثالث والموجود في المجموعة الأولي (ثة ـ نة ـ مة ) وقد أدي الانتقال من المقطع الثالث إلي الأول ، ثم العودة إليه ، إلي إيقاع خاص ومتنوع .
ب ) التقسيم المقطعي وأثره علي المعني :
1 ـ تقسيم الآيات إلي جمل قصيرة ذات إيقاع متساو منتظم أعطي الإحساس بالتقسيم الموجود في الناس يوم القيامة ،بين أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة .
2 ـ استخدام الفعل المشدد أعطي الإحساس بالزلزلة من هول ذلك اليوم وأثر ذلك علي الأرض والجبال .
3 ـ استخدام الفعل المشدد مع مصدره في الآية نفسها أعطي توافقا في النغم وتساو في الإيقاع مما غلظ الإحساس بشدة هول ذلك اليوم .
4 ـ تكرار الكلمات والعبارات في الآية الواحدة نفسها أكد المعني ولفت الانتباه إليه ، في إيقاع جميل وفريد نتيجة لتكرار المقاطع نفسها ،والنبر عليها .
كل هذه العناصر كونت لنا تلك اللوحة التي صورت هول يوم القيامة، وانقسام الناس فيه إلي ثلاث جماعات ‘ ثم يكتمل الإيجاز والإعجاز القرآني في ذكر ثلاث جماعات بدأت بأصحاب الميمنة ، ثُم أصحاب المشأمة ، ثم السابقون ، ثم بدأ في تفصيل القول عنهم بهذه المجموعة الأخيرة ،وكأنها ليست من الأقسام الثلاثة التي تحدث عنها في بداية الآيات ، فهي شرح لحال أصحاب الميمنة ، حتي يأتي الحديث بعند ذلك ليوضح أنها قسم مستقل ،وأنهم أصحاب أعلي درجة في الجنة .
المجموعة الرابعة

قال تعالي ( والسـابقون السـابقون {10} أولئك المقربون {11} في جنات النعيم{ 12 } ثلة من الأولين {13 } وقليل من الآخرين { 14}

هذه المجموعة تظهر بإيقاع جديد مختلف عن سابقتها ، حيث يظهر المقطع الرابع لأول مرة في هذه السورة ، والذي سيصبح إيقاعا ثابتا ومتكررا في كل آيات السورة تقريبا كما سنري .
التحليل المقطعي :
والسابقون السابقون {10 } أولئك المقربون {11} في جنات النعيم {12}
وس/سا/ب/قو/نس/سا/ب/قون أو/ لا/ إ/ ك / ال/م/قر/ر/بون في/جن / نا / ت ن/ن /عيم
3 / 2/ 1 /2 /3/2 / 1 /4 2 / 2 / 1 /1/3 /1 /3/1/4 2/3 / 2 / 3 / 1 /4
ثلة من الأوّلين {13 } وقليل من الآخرين {14 }
ثل/ل/ة ن(1)/م/نل/أو/و/ لين و/ق/لي/ل ن/م/نل/آ/خ/رين
3 /1 / 3 /1 /3 /3 / 1/4 1/1/ 2/ 3 /1/ 3/2/1/4
هذه المجموعة مكونة من خمس آيات تحتوي كل آية علي ثمانية مقاطع (غالبا) ، وتنتهي كل آية بمقطع من النوع الرابع في نهاية كل فاصلة وهي (قون ـ بون ـ عيم ـ لين ـ رين )
وصف البناء المقطعي للمجموعة :
أ ـ إن كل مقطع يحتوي علي حركة طويلة ( واو ـ ياء ) أي الحروف الضيقة التي أشار إليها د. تمام حسان ، فالفاصلة التي تنتهي بها الآيات السابقة تنتهي بأحرف مختلفة لا تصلح للتقفية كما في الشعر، ولكنها اشتركت في شيء آخر كوّّن لها هذا الانسجام الصوتي ،والنغم الواضح المختلف عن نغم القافية في الشعر ، وهو :
1 ـ الاتفاق في المقاطع فكلها من المقطع الرابع .
2 ـ الاتفاق علي وجود حرف ضيق (واو ـ ياء ) في وسط هذا المقطع .
وفي معني الحرف الضيق يقول د .تمام حسان ( وقد يقوم النمط علي صفة من صفات حرف في الفاصلة كصفة الضيق { والمقصود ضيق الفم بتقريب جزء من اللسان من الحنك الأعلى أثناء النطق }،وهي الصفة التي يشترك فيها الواو والياء )( 2 )، وهذان الصوتان يقومان بدور كبير في خلق الإيقاع في سائر الآيات المقبلة حيث يكرران في أغلب الآيات المقبلة ،ولهما دور في التنغيم الذي يبدع فيه القراء ، وهما الأساس في جعل هذه المقاطع من النوع الرابع .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ هذه النون علامة للتنوين . 2 ـ البيان في روائع القرآن 270.
ب ـ توزيع الصوت الضيق في فواصل المجموعة :
جاء ت الواو والياء في فواصل خمس آيات هي آيات هذه المجموعة ،وهي علي التوالي فصلتان تنتهيان بالواو بعدهما تأتي ثلاث فصلات تنتهي بالياء : (قون ـ بون )(عين ـ لين ـ رين) والحقيقة أنهما ليسا كذلك لأنهما يتكونان من ستة مقاطع من النوع الرابع ، وهذا المقطع السادس في كلمة السابقون (قون) والذي جاء في وسط الآية الأولي ، فيصبح توزيع الصوت الضيق هنا كالآتي ) قون ـ قون ـ بون) في مقابل ( عين ـ لين ـ رين ) بالترتيب نفسه علي التوالي .
ج ـ التصريع أو ما يشبه التصريع : وهو يأتي من تكرر المقطع نفسه في وسط الآية وهو (قون) وفي نهاية الآية أي في الفاصلة (قون ) . ويعد هذا تحضيرا للإيقاع الذي سيصاحبنا في كل فواصل آيات المجموعة .
د ـ الصوت الذي يلي الصوت الضيق في كل الفواصل، وهو النون والميم وكلاهما يمثلان صوتين متشابهين يكثر التبادل بينهما , أصوات خيشومية كما يقول سيبويه ، ولكنهما ليسا صوتا واحدا ، مما ينفي عن القرآن الكريم أن يكون شعرا ، فهو يلتزم بنهاية واحدة ( نون أو ميم ) فيكوّن هذا نغما متوازنا وليس موزونا .
عناصر تكوين الإيقاع في المجموعة :
إننا أمام مجموعة من الآيات تسير علي نبر واحد وإيقاع واحد ليكون لنا هذا النغم الخاص بها والذي يأتي من اتفاق :
1 ـ فواصلها علي نهاية مقطعية واحدة ( المقطع الرابع ).
2 ـ الصوت الضيق في كل الفواصل واحد (و ـ ى ) قبل الأخير .
3 ـ الصوت الأخير في كل الفواصل واحد(ن) وفي وسطها (م) واحدة لكسر التكرار بإيقاع مشابه.
4 ـ غلبة النون علي الميم بنسبة 5/1 مما يجعلنا لا نشعر بالانتقال من النون للميم ,ثم العودة لها.
5 ـ التصريع في بداية المجموعة بالمقطع (قون) في وسط الآية الأولي ثم تكراره في فاصلتها.
6 ـ التمهيد لإيقاع المجموعة بذلك التصريع، والذي سيصاحبنا في فواصل كل الآيات المجموعة
7 ـ التطابق في عدد مقاطع الآيات (8 مقاطع غالبا ) مما يؤدي إلي الاتفاق في عدد الخفقات والدفعات الهوائية في كل آيات المجموعة ، فنتج عن ذلك :
أ)التساوي في مخزون الهواء الذي سيصاحب القارئ مع كل آية ليساوى عدد المقاطع.
ب)إيقاع واحد متساو عبر آيات المجموعة .
8 ـ الاختلاف في عدد مقاطع آيتين فقط في المجموعة كسر الرتابة والملل من تكرار إيقاع واحد.
النبر :
النبر الذي نتابعه هنا ما جاء في كلمة الفاصلة ,حيث نجدها جميعا تنتهي بالمقطع الرابع، ولهذا فهو موضع النبر ، فيصبح موضع النبر علي المقاطع (قون ـ بون ـ عين ـ لين ـ رين ) ، ونظرا لتساوي عدد المقاطع في الآيات وموضع النبر علي المقطع الرابع في نهاية الآيات ،فأنتج ذلك إيقاعا متساويا في كل آيات المجموعة لتساوي المسافات بين النبر .
المجموعة الخامسة
قال تعالي ( علي سرر موضونة’ {15}متكئين عليها متقابلين {16} يطوف عليهم ولدان مخلدون {17} بأكواب وأباريق وكأس من معين {18} لايصدعون عنها ولاينزفون {19} وفاكهة مما يتخيرون{20} ولحم طير مما يشتهون {21} وحور عين {22} كأمثال اللؤلؤ المكنون {23} جزاء بما كانون يعملون {24}
التحليل المقطعي :
علي سرر موضونة {15} متكئين عليها متقابلين {16}
ع/لي/س/ر//رن/مو/ضو/نة مت/ت/ك/ئي/ن/ع/لي/ها/م/ت/قا/ب/لين
1/2/1 / 1/ 3 /3 / 2 /3 3 / 1/ 1 /2 /1 /1/3 /2/1/1/2/1/4
يطوف عليهم ولدان مخلدون {17} بأكواب وأباريق وكأس من معين {18}
ى/طو/ف/ع/لي/هم/ول/دا/ن ن/م/خل/ل/دون ب/أك/وا/ب ن/و/أ/با/رى/ق/و/كأ/سن/مم/م/عين
1/2 / 1/1 /3/3/ 3 /2/ 3/ 1/ 3/1/4 1/3 /2/3 /1/1/2/ 2/ 1/1/3/3/ 3/ 1/4
لا يصدعون عنها ولاينزفون {19} وفاكهة مما يتخيرون{20}
لا/ى/صد/د/عو/ن/عن/ها/و/لا/ين/ز/فون و/فا/ك/ه/ةن/مم/ما/ى/ت/خي/ي/رون
2/1/3/ 1/2 /1 /3 /2/ 1/2/3 /1/4 1/2/1/ 1/3/3/2/1/1/ 3/ 1/ 4
ولحم طير مما يشتهون {21} وحور عين {22} كأمثال اللؤلؤ المكنون {23}
و/لح/م/طي/رن/مم/ما/يش/ت/هون و/حو/رن/عين ك/أم/ثا/ل/ال/لؤ/لؤ/ال/مك/نون
1/3/1/3/ 3 /3/2 /3 /1 4 1/2 /3 /4 1/ 3/ 2/1/3/3/3/3 /3 /4
جزاء بما كانوا يعملون {24}
ج /زا/ءن /ب/ما/كا/نو/يع/م/لون
1/2 /3 /1 /2/2/2/3 /1/4
ملاحظات علي التحليل المقطعي :
1 ـ في هذه المجموعة عشر آيات مختلفة في عدد مقاطعها , وتتفق في المقطع الذي في نهاية كل فاصلة من كل آية، وهو من النوع الرابع ، عدا الآية الأولي التي جاءت مخالفة في
فاصلتها عن باقي الآيات في هذه المجموعة ، وهي (أي هذه الآية ) توافق في نفس الوقت فاصلة المجموعة التي قبلها ( أي الثالثة ) ، و توافق المجموعة الأولي ، وتخالف المجموعة التي جاءت فيها ، فكانت بمثابة الفاصلة بين المجموعتين بنهايتها بالمقطع الثالث (نة) بين الفاصلتين نهايتهما من المقطع الرابع .
2 ـ هذه الآيات تنوعت في عدد مقاطعها ، فهي تحوي عددا من المقاطع متنوعا، وهو علي التوالي : 8 /13 /13/ 15/ 13/12/10 / 4/10/10 ، وهذا الاختلاف في العدد طولا وقصرا أدي إلي تنوع الإيقاع ، وتباينه بعد المجموعة السابقة التي سارت علي وتيرة واحدة في عدد ثابت من المقاطع . إذن هذا التنوع في عدد مقاطع هذه المجموعة الخامسة كان ضروريا في هذا الموضع ،وذلك لتغيير الإيقاع الثابت في المجموعة السابقة بإيقاع متنوع .
3 ـ العلاقة بين التراكيب والمقاطع :
حرصت الآيات علي التكوين المقطعي ؛ وذلك لتكوين الإيقاع في الآيات قبل حرصها علي إتمام المعني ، ولهذا نري الجملة الواحدة تأتي في أكثر من آية ، كما في هذه المواضع:
أ) {علي سرر موضونة} حيث تأتي هذه الآية بالخبر فقط .
ب){متكئين عليها متقبلين} حيث تمثل هذه الآية الحال فقط.
ج) الجار والمجرور في آية والمتعلق به في آية سابقة عليه {يطوف علهم ولدان مخلدون *بأكواب وأباريق }
د) العطف علي الجملة الأولي بمعطوفات متعددة كل منها في آية مستقلة ، تنتهي بالنهاية المقطعية نفسها في الفاصلة ، لتحقق الإيقاع المطلوب بتوافق النهايات المقطعية، فكلها تنتهي بالمقطع الرابع{ وفاكهة ممـا يتخيرون(20) ولحم طير مما يشتهون (21) وحور عين (22)}.
هـ) ملاحظة بيانية : نلاحظ التناسق الذي بين عدد مقاطع هذه الآيات ،حيث تأخذ شكل المنحني البياني ، حيث يبدأ المنحني بالعدد 8 في الآية الأولي ، ثم يزيد في الثانية 13 ويتكرر العدد 13 حتي يصل إلي أعلي المنحني في العدد15 ،ثم ينحدر إلي 13 ثم 12 ثم 10 ليصل إلي أقل عدد ،وهو 4 ، ليعاود التصاعد إلي عدد واحد يتكرر في آيتين متتاليتين وهو10 .
هذا التنوع في عدد المقاطع في شكل المنحني البياني صعودا وهبوطا ثم صعودا مرة أخري
يجعل النغم يحمل إيقاعا متميزا مختلفا ،فإذا ربطنا بين تنوع عدد المقاطع بهذا الشكل المتذبذب و مفهوم المقطع كخفقة تصدر من أعماق صدر المتكلم ، أدركنا مدي التأثير الذي يحدثه هذا التنوع في إيقاع هذه الآيات .
النبر :
يقع النبر في فواصل هذه الآيات علي المقطع الأخير فيها ؛لأنه من النوع الرابع ، عدا الآية الأولي ، والتي انتهت بالمقطع الثالث ،فكان النبر علي المقطع قبل الأخير ،مما جعل الإيقاع يسير في كل الآيات علي نسق منتظم تحدده نهاية الآيات ،حيث نسمع نبرا في نهاية كل آية، فيكون ذلك علامة علي انتهائها ، مما يجعل القراء يبدعون في هذا الموضع مع نهاية كل آية .
المجموعة السادسة
قال تعالي : لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما {25}إلا قيلا سلاما سلاما{26}
التحليل المقطعي :
لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما {25} إلا قيلا سلاما سلاما {26}
لا/يس/م/ عو/ن/في/ها/لغ/ون/و/لا/تأ/ثي/م إل/لا/قي/لن/س/لا/من/س/لا/م
2/3/ 1/ 2/ 1/2/ 2/3/3/ 1/2/3/2/1 3/ 2/ 2/3 /1/ 2/3/ 1/ 2/1
تتكون هذه المجموعة من آيتين ، تنتهيان بمقطع من النوع الأول علي شاكلة المجموعة الثانية بعد المجموعة السابقة والتي انتهت بالمقطع الرابع ليحدث هذا التنوع بالانتقال من نهاية مقطعية ،ثم العودة إليها نغما متنوعا ، وكذلك انتهاؤها بصوت الميم بدلا من النون الموجود في المجموعة السابقة أيضا .
وتعد هذه المجموعة تكملة للصورة التي يرسمها الحق تبارك وتعالي عن الجنة، وما فيها من نعيم ‘ فيتحدث عن النعيم السمعي ‘ ولكن في إيقاع مختلف في :
أ) النهاية المقطعية ، حيث تنتهي بالمقطع الأول .
ب) موضع النبر الذي جاء هنا علي المقطع قبل الأخير؛لأن المقطع الأخير هنا من النوع الأول
.ج) وجود صوت السين الذي تكرر فيهما ،والذي يشيع الهدوء والنغم بما فيه من همس وصفير.
د) عدد المقاطع في الآيتين ،فكانت الأولي أطول من الثانية ،وكأنها رد عليها بذكر المستثني
هـ) ذكر المستثني في آية مستقلة جعل له بروزا، وظهورا،ونغما خاصا ، وهو تحية أهل الجنة{سلاما سلاما} . حاول تكرار هذه العبارة لتشعر بما فيها من نغم وإيقاع وإيجاز بلاغي.
اللوحة الثانية : الســابقون
هذه اللوحة تشمل ثلاث مجموعات : الرابعة والخامسة والسادسة ،و تتناول موضوعا واحدا ،هو نعيم الجنان الذي فيه السابقون ، وما أعد الله لهم في الآخرة ، لهذا جاءت الآيات في لوحة متكاملة من حيث المعني ، ومتنوعة من حيث النغم والإيقاع ، فقد تناولت المجموعة الرابعة الحديث عن السابقين والتعريف بهم ، وتناولت الخامسة الحديث عن أجرهم علي عملهم ،ثم انتهت السادسة بالحديث عن النعيم السمعي وما هم فيه من هدوء وسلام ‘ كل هذا في نغم جميل متنوع.
أولا عناصر تكوين الإيقاع العام للوحة :
1 ـ انتهت معظم الآيات بالمقطع الرابع ،عدا الآية الأولي في المجموعة الخامسة ‘ وكأنها

فاصلة بين إيقاعين متماثلين لتفصل بينهما ،وتمنع الرتابة والملل من تكرار، وركيزة انطلاق للمجموعة التالية ،وكذلك مقاطع المجموعة السادسة جاء ت منتهية بالمقطع الأول .
2 ـ كوّن التنوع المقطعي نغما غير عادي في هذا الآيات بتنوعه العددي ‘ حيث المجموعة الرابعة جاءت في عدد مقاطع ثابت متكررا واحدا لتكوّن نغما ثابتا متكررا ‘ فحافظت في نهايتها علي المقطع الرابع في فواصلها ،بل جاءت به في وسط الآية الأولي منها بما يشبه التصريع في الشعر (السابقون السابقون ).
3 ـ الصورة التي جاءت عليها هذه الآية ( السابقون السابقون ) في أول اللوحة لفتت انتباه السامع لما سيلقي عليه من قول بتكرار الكلمة نفسها ، وما يستتبعه من تكرار المقاطع نفسها ، مما يثير الانتباه لما سيأتي .
4 ـ جاء المقطع الرابع الذي سيطر علي الآيات في شكل خاص ‘ حيث تكوّن من صامت + حركة طويلة +صامت ، تم التبادل في الحركة الطويلة بين صوتين اثنين هما :الواو والياء ، أما الصامت الثاني فكان بين صوتين اثنين أيضا يتم التبادل بينهما وهما : النون والميم ‘ وهما متشابهان .
5 ـ تعرض اللوحة ألوانا مختلفة لنعيم الآخرة ؛ ساهم هذا التنوع في عدد المقاطع في توضيحها ،وكذلك طول الآية أو قصرها في إبراز هذا المعني ، كما في قوله تعالي ( حور عين) فعند النطق بهذه الآية مستقلة، و بنغم الآيات السابقة والتالية بنفسه بما فيها من مقطع رابع في نهايتها ،وما به من حرفي الياء والنون يثير انتباه السامع كأنه يقول له : إن في الجنة شيئا مهما يجب الانتباه له ، وهو هؤلاء الجميلات اللائي يحتجن إلي آية مستقلة لوصفهن ، فجاء اسمهن في آية ووصفهن في آية أخري ‘ أما ألوان النعيم الأخرى فقد جاء في نفس الآية بالصفة والموصوف ، كما في قوله تعالي ( علي سرر موضونة ) فجاء بالصفة والموصوف معا .
6 ـ النبر :
جاء النبر في هذه الآية (حور عين ) في موضعين يبرزان هذا الاسم ، فالنبر الأول علي المقطع الثاني في حور‘ والنبر الثاني علي كلمة عين كلها، فهي عبارة عن مقطع واحد مستقل من النوع الرابع .
7 ـ جاء الحرف الضيق في كلمة( عين) وهو الياء ‘ مختلفا عن الحرف الضيق في الآيات السابقة واللاحقة عليه ‘ مما جعلها ظاهرة في وسط هذه الآيات وبارزة . لاحظ: ( ينزفون ـ يتخيرون ـ يشتهون {عين} مكنون ـ يعملون) .
8 ـ تذكر الآيتان الأخيرتان لونا جديدا من النعيم ‘ وهو النعيم ا لسمعي ، فجاء في نبر مختلف ونهاية مقطعية مختلفة عن باقي المجموعات التي قبلها والتي بعدها .
ثانيا : أثر البناء المقطعي علي تراكيب اللوحة :
سارت هذه اللوحة بمجموعاتها المختلفة علي إيقاع واحد في كل مجموعة ، حافظت عليه في كل آيات المجموعة ، حيث انتهت المجموعة الرابعة والخامسة بالمقطع الرابع ، والمجموعة السادسة بالمقطع الأول ، وكان لهذا التكوين الثابت أثره علي بناء الجملة ، فحدث فيها تقديم وتأخير ليحقق التجانس المقطعي في نهاية كل آية بما يعرف بمراعاة الفاصلة ، كما حدث هنا:
1) في المجموعة الرابعة :
أ) يذكر المبتدأ ويكرره (للتوكيد) بدون ذكر خبره ، ليحدث التوافق المقطعي في الآية التالية والتي كانت صفة للمبتدأ ، ثم تأتي الآية الثالثة حاملة الخبر معها ،كما في قوله(السابقون السابقون(1) ... في جنات النعيم ) وبين المبتدأ والخبر قوله ( أولئك المقربون).
ب ) ثم تأتي الآية الأخيرة في المجموعة عبارة عن خبر حُذف المبتدأ منه (ثلة من الأولين ) أي هم ثلة من الأولين(2) ، ليحقق التآلف المقطعي مع كل من (السابقون ـ المقربون ـ النعيم ) مع ملاحظة اختلاف الحرف الأخير في تلك الفواصل ، رغم اتفاقهم في المقطع الأخير (الرابع) ،فهذا الإيقاع الناتج عن التوافق المقطعي يُعد مقياسا جديدا للنغم غير الوزن والقافية كما بالشعر.
2 ) في المجموعة الخامسة :
نري تراكيب تم تغييرها ليحقق هذا التجانس نحو :
أ) ذكر حال المتكئين علي السرربلفظ متقابلين ، وهي إضافة حققت الانسجام المقطعي.
ب) ذكر صفة للولدان ليست خاصة بهم ‘ بل هي عامة لكل أهل الجنة، وهي صفة الخلود ،وقيل الخلود هنا بمعني البقاء في عمرهم الذي ماتوا عليه .
ج) تحديد نوع الكأس دون تحديد نوع الأكواب والأباريق ،بأنه كأس من معين للسبب نفسه.
د) وصف حال من يشرب من هذا الكأس بصفتين هما ( لا يصدعون عنها ولا يصدفون).
هـ) وصف اللؤلؤ بالمكنون وليس بصفة أخري من صفاته حتي يتوافق مع الفاصلة السابقة له.
و) اختيار الأفعال المرفوعة بثبوت النون والأسماء المجموعة جمع مذكر سالم والتبادل بينهما
ز) وصف نساء الجنة ب(حور عين) رعاية للفاصلة، وفي سورة الرحمن قال (حور مقصورات في الخيام ) ولم يقل ( حور عين) كما في الواقعة لعدم الحاجة هنا لهذا الوصف .
وقد سمي هذا الدكتور تمام حسان برعاية الفاصلة في قوله ( للفاصلة قيمة صوتية ذات وظيفة مهمة تراعي في كثير من آيات القرآن، وربما أدت رعايتها إلي تقديم عنصر أو تأخيره من عناصر الجملة ....،( فلا يؤمنون إلا قليلا) {النساء 155/46}( فقليلا ما يؤمنون){البقرة 88 }لاحظ أن هنا شاهدين من القرآن اشتملا علي ألفاظ بعينها اختلفت رتبتها في أحدهما عنها في
المشرف العام
المشرف العام
Admin

عدد المساهمات : 29
تاريخ التسجيل : 13/06/2010

http://almadawe.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الفونيمات فوق التركيبية في سور ةالواقعة  أ  د. عطية سليمان أحمد الجزء الأول Empty الفونيمات فوق التركيبية في سور ةالواقعة أ د. عطية سليمان أحمد الجزء الثالث

مُساهمة  المشرف العام الإثنين 14 يونيو 2010 - 5:44

ملاحظات علي التركيب المقطعي:
1 ـ تتكون هذه المجموعة من ثلاث آيات انتهت فواصلها بالمقطع الثالث هي: (رة ـ عة ـ عة ).
2ـ تتكون كل آية من عدد مختلف من المقاطع هو علي التوالي:8 ـ 10 ـ 7 .
3 ـ تتكون كل آية من كلمتين تقسمان الآية إلي إيقاعين متوازيين متساويين نتيجة ‘لتساوي نوع المقاطع في آخر كل كلمة مع أختها في الآية نفسها ، فكل كلمة تنتهي بالمقطع الثالث ‘ وكأن كل كلمة من كلمات الآيات وهي: ( فاكهة ـ كثيرة ـ مقطوعة ـ ممنوعة ـ فرش ـ مرفوعة ) فاصلة مستقلة ، فتكون كل كلمة مع أختها في الآية إيقاعا يتوافق مع الآية التي قبلها والتي بعدها،فهو إيقاع كل الفواصل نفسه ، و الحرف الأخيرنفسه ( ة ) وقبل الأخير في الغالب(ع ).
مصدر التوازن والتوازي بين كلمتي كل آية :
أ ) فاكهة انتهت بالمقطع(ة ن)النون هنا للتنوين ،وكثيرة انتهت بالمقطع (رة) وكلاهما مقطع ثالث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ قال ابن عاشور (خبر عن أصحاب الميمنة بإبهام يفيد التنويه بهم ) التحريري والتنوير ج27 ص 298 و العكبري( فأصحاب الميمنة ،مبتدأ وما أصحاب الميمنة مبتدأ وخبر خبر الأول ) إملاء ما من به الرحمن2/254 .
ب) مقطوعة انتهت بالمقطع (عة)،وممنوعة انتهت بالمقطع (عة) وكلاهما متطابق، ومقطع ثالث
ج) فرش انتهت بالمقطع (ش ن)النون هنا للتنوين ،ومرفوعة انتهت ب(عة) وهما مقطع ثالث
د)لاحظ تكرار المقطع (عة) ثلاث مرات في فواصل الآيات ووسطها.
هـ)تكرار (لا ) في الآية الثانية في أولها ووسطها .
و) تكرار الكسرة بكلمات الآيات أعطي تماثلا في الإيقاع بين الكلمات ، لاتفاق نوع الجار فيهم
النبر : نتيجة لهذا التقابل بين كلمات الآيات ، واتفاقها جميعا في الانتهاء بالمقطع الثالث ، كان هو موضع النبر ، فكان هناك تساو في موضع النبر وفي الإيقاع ، فالنبر هنا يقع علي المقطع الأخير في كل كلمات المجموعة .
عناصر تكوين الإيقاع في الآيات :
جاء الإيقاع المنتظم والمتناسق في الآيات من :
1 ـ الاتفاق في النهاية المقطعية في فواصل الآيات فكلها من النوع الثالث .
2 ـ الاتفاق في النهاية المقطعية للفواصل مع كلمات في وسط الآية ، فكلها من النوع الثالث .
3 ـ الاتفاق في الحرف الأخير في الفواصل الآيات مع وسط آيتين من الثلاثة آيات وهو (ة )
4ـ الاتفاق في موضع النبر في الكلمات والفواصل مع ما يقابلها من كلمات في الآيات المجموعة
5 ـ تكرار حرف العين في الآيتين الأخيرتين وصوت الفاء في الأولي والأخيرة
المجموعة التاسعة
قال تعالي Sadإنّا أنشأناهن إنشاء{35} فجعلناهن أبكارا{36} عربا أترابا{37}
التحليل المقطعي :
إنا أنشأناهن إنشاء {35} فجعلناهن أبكارا {36} عربا أترابا {37}
إن/نا/أن/شأ/نا/هن/ ن/ إن/سا/ء ف/ج/عل/نا/هن/ن/أب/كا/ر ع/ر/ب ن/أت/را/ب
3 /2/ 3/ 3/ 2/ 3/1/ 3/2/1 1 /1 /3/2/ 3/ 1/3/ 2/1 1/1/3 / 3/2/1
تستمر الآيات في ذكر نعيم أصحاب اليمين، ولكنها تذكر هنا لونا جديدا من النعيم ، وهو الحور العين ،تحدث عنهن بصفات لم يذكرها في حديثه عن السابقين ، فهن قد خلقهن الله خلقا خاصا ، وجعلهن أبكارا ، عربا أترابا ، ليضاف هذا إلي صفاتهن السابقة ، ولكي يبدو الأمر مختلفا ؛ جاء حديثه عنهن في قالب مختلف عما سبقه ؛ فجاء في ثلاث آيات تميزن بـ :
1 ) الآيات كلها انتهيت بفواصل انتهت بالمقطع الأول ،وبإشباع القارئ للفتحة يصبح ثانيا .
2) المقاطع الأخيرة من (ثلاثة مقاطع متتالية متطابقة في النوع في كل الآيات .
3) الآيتان الأولي والثانية متطابقتان في عدد المقاطع تقريبا .
4)أتي الآية الثالثة بعدد مقاطع أقل منهما ،وكأنها تذييل وتتمة لمعناهما وهي صفة أخري لهن ،
5) كثر في الآيات صوت النون والهمزة خصوصا في الآيتين الأوليين مما يعطيهما إيقاعا خاصا
6) غلبة المقطع الثالث وانتشاره في الآية الأولي وزّع النبر فيها، وأعطاها إيقاعا متساويا جذّابا .
7) تكرار صوت الشين في الآية الأولي أشاع نغما خاصا فيها نتيجة لصفة التفشي الخاصة به
التركيب المقطعي والتركيب النحوي :
بدت آيات المجموعة كأنها جملة واحدة مترابطة في المعني والتركيب النحوي ، حيث الآية الأولي جملة منسوخة بإن ،وفيها اسم إن وخبرها ومفعول مطلق، والثانية مرتبطة بها بالفاء ، والثالثة تكملة لمفاعيل الثانية ، فهي جملة واحدة في آيات متعددة ،ليتحقق الانسجام الصوتي بينها ويتم التناغم بين تلك الكلمات ؛ فتبدو في صورة إيقاع صوتي متجانس نحس به ؛ ولا نعرف مصدره .
لقد كان الإيقاع والتناسق بين المقاطع ومراعاة الفاصلة أهم من مراعاة قواعد التركيب النحوي،لأن هذه القواعد أخذت من القرآن وليس العكس ، وكما يقول د . تمام ( إن اللغة أوسع من النحو العربي، لأن النحو قواعد أنيط بها تنظيم ما أطرد من اللغة ، ثم يبقي بعد ذلك جزء من اللغة لا يخضع لقواعد النحو ، بسبب عدم أطراده، وهو جزء من اللغة يتساوي مع المطرد في الفصاحة ... ولقد نزل القرآن بلسان عربي مبين (لا بنحو متين ) وهكذا امتدت تراكيبه علي رحاب اللغة ، ولم تنحبس في بوتقة القواعد النحوية ، فالقرآن يهيمن علي اللغة كلها ما اطرد منها وما لم يطرد )0(1)
المجموعة العاشرة
قال تعالي:لأصحاب اليمين{38}ثلة من الأولين{39}وثلة من الآخرين
التحليل المقطعي :
لأصحاب اليمين {38} ثلة من الأولين {39} وثلة من الآخرين {40}
ل/أص/حا/ب/ال/ي/مين ثل/ ل/ة ن/م/ن/ال/أو/و/لين و/ثل/ل/ة ن/م/ن/ال/أ/خ/رين
1/ 3 / 2/1 /3 /1/4 3/ 1 /3 / 1 /1/3/3/1/4 1/3/1/3/1/1/3/1/1/4
تتحدث هذا المجموعة من الآيات عن المستحقين لهذا النعيم، وهم أصحاب اليمين الذين تحدث عنهم من قبل في أول الآيات ، ولهذا جاءت الآيات هنا مطابقة للخصائص الصوتية للمجموعة السابقة والتي بدأ الحديث فيها عن أصحاب اليمين ، وهي المجموعة السابعة ، وكأن ذلك تذكرة بهذه المجموعة ، فكانت مثلها:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ البيان في روائع القرآن 283.
1) منتهية بفواصل منتهية بالمقطع الرابع .
2) جملها قصار، ومقاطعها قليلة ؛حيث عددها متدرج من الأقل للأكثر :7/9/13.
3) منتهية فواصلها بحرفي الياء والنون .
4) يقع النبر علي المقطع الأخير في كل الفواصل ؛لأنه من النوع الرابع ،أما في باقي كلمات الآيات المجموعة فيقع في المقطع الأول من كل كلمة ( أصحاب ـ ثلة ) مما يخلق توازنا بين مواضع النبر في آيات المجموعة ، حيث يتقابل كل نبرين مع ما يقابلهما في الآية الأخرى .
اللوحة الثالثة (أصحاب اليمين )
تعرض هذا اللوحة ،والتي تضم المجموعات من السابعة إلي العاشرة لموضوع واحد ،وهو أصحاب اليمين،وما هم فيه من النعيم ، وقد بدأ بعنوان كبير ، أو قل لافتة تشير إليهم ،وتجذب الأسماع إلي ما سيلقي عليهم قائلة : وأصحاب اليمين من هم أصحاب اليمين ؟ ثم انطلقت إلي الحديث عن الأجر، وتركت الحديث عن العمل؛ فاليوم يوم جزاء وأجر ،وليس يوم اجتهاد ،أو عمل ،إنه يوم الواقعة يوم القيامة يوم الحساب ، ولهذا جاء الإخبار عنهم بالسؤال عليهم ،وتلك آية بلاغية ، ثم ذكرت أنواعا من النعيم الذي هم فيه ، وانتهت بالتأكيد علي أن هذا النعيم خاص بهم دون غيرهم في آية واضحة جلية ، (لأصحاب اليمين).
واستعانت الآيات للوصول إلي هذا المعني بوسائل لغوية تصور المعني وتوضحه ، بل هى تنقل الإحساس بالمعني من خلال كلماتها وأصواتها، حيث تعتمد علي وسائل غفل عنها كبار شعراء العرب وخطبائهم ، رغم أنهم أحسوا بهذه الوسائل ، ولم ينكروها ،و لكن لم يعرفوا سرهم فهدتهم فطرتهم المضلة ، وعلمهم الكاذب إلي القول بأنه شعر ،وذلك منتهي علمهم ، فهم لا يعرفون من فنون القول سواه ،فلم يدركوا أن هناك لونا من فنون القول اسمه القرآن ، وهو كما قالوا (و حقا ما قالوا ) يعلو ولا يعلي ، فهو( تنزيل من رب العالمين) ،( بلسان عربي مبين)، اعتمد علي وسائل صوتية ؛أحدث ما شعروا به من الانسجام الصوتي ، والإيقاع المتناسق ، فأرجعوا ذلك للوزن والقافية ، فإذا به يحطم ذلك؛ فيكسر ما يجعل القرآن شعرا؛ بالخروج علي الوزن والقافية، فلو نظرنا إلي آيات المجموعة السابعة لقلنا: إنها لا محالة شعر ، فكل آياتها انتهت بفاصلة علي وزن( مفعول) وبحرف الدال ، ثم تأتي آية في نهاية المجموعة علي نفس الوزن (مفعول ) ؛ ولكن منتهية بالباء ؛وليس الدال، فكسر هذا التتابع للحرف الأخير، وبقي في الآذان صوته من خلال وزن (مفعول )الذي لم يتغير؛ فنحس بالوزن السابق، ولا نجد الصوت السابق (الدال ) ، وهو بهذا كسر مفهوم الوزن ، وأتي بمفهوم جديد عليهم ،وهو المقطع الصوتي، الذي هو خفقة تخرج من صدر المتكلم حاملة معها مجموعة من الأصوات المتنوعة بين صامت وحركة (طويلة أو قصيرة ) ، فتؤلف مع مثيلاتها نغما متجانسا خفيا نشعر به ولا نعرف مصدره ، ثم تسارع إلي تبديله قبل أن تمله الآذان أو يصبح سجعا.
ولهذا نجد في هذه اللوحة تلك المجاميع المتنوعة في نهايتها الصوتية ، من حيث المقطع الأخير في كل فاصلة ، وهو ما جعلني أقسم اللوحة إلي مجاميع ، حيث لا تلبث الآذان أن تعتاد نغم هذه المجموعة المكونة من آيتين أو أكثر ؛حتى نفاجأ بتبديل هذه المجموعة بأخرى تختلف عنها في النهاية المقطعية لفاصلتها .
كما تباينت أعداد مقاطع الآيات في كل آية وكل مجموعة ‘فهي تتفق حينا وتختلف حينا ، مما أحدث تنوعا في الإيقاع داخل الآيات وداخل المجاميع .
وكذلك تنوع الحرف الأخير في كل المجاميع ‘حيث يتفق حينا ويختلف حينا ، أما في داخل المجموعة فهو متفق غالبا ، بل إن هذا الاتفاق ليمتد أحيانا ليشمل الحرف الأخير وما قبله .
إذن هناك عناصر صوتية كونت الإيقاع الخاص بهذه اللوحة و هي :
1) الاتفاق في النهاية المقطعية في كل مجموعة في الفاصلة .
2) الاتفاق في الحرف الأخير في نهاية فاصلة كل مجموعة .
3) الاتفاق في الحرف قبل الأخير (غالبا) في الفاصلة .
4) تنوع موضع النبر في المجاميع واتفاقه (غالبا ) في الآيات المتماثلة في المجموعة الواحدة.
5) تساوي المسافات بين مواضع النبر أوجد إيقاعا متناسقا متساويا داخل الآيات .
6) أدي عدد المقاطع إلي تكوين الإيقاع الخاص بهذه الآيات ،فجاء في عدة صور:
أ‌) الالتزام بعدد محدد من المقاطع في آيات المجموعة ( كما في المجموعة السابعة).
ب‌) الالتزام بعدد مقاطع أول آيتين في المجموعة ( كما في المجموعة السابعة).
ت‌) التدرج في عدد المقاطع داخل المجموعة الواحدة صعودا(كالمجموعة العاشرة).
ث‌) التدرج في عدد المقاطع داخل المجموعة الواحدة هبوطا(كالمجموعة التاسعة).
المجموعة الحادية عشرة
قال تعاليSadوأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال {41} في سموم وحميم{42} وظل من يحموم {43} لا بارد ولا كريم {44}
التحليل المقطعي :
وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال {41} في سموم وحميم {42}
و/أص/حا/ب/اش/ش/ما/ل/ما/أص/حا/ب/اش/ش/مال في / س/ مو/م ن/و/ح/ميم
1/3 / 2 / 1 /3 /1 /2/1/2 /3 / 2 /1 /3 /1 / 4 2/ 1 /2 /3 /1 /1 /4
وظل من يحموم {43} لا بارد ولا كريم {44}
و/ظل/ ل ن/من/يح /موم لا/ با/ر/د ن /و/لا/ ك/ريم
1/3 /3 /3/ 3 / 4 2 /2 /1 /3 /1 /2 /1 /4
جاءت هذه الآيات منتهية بالمقطع الرابع في فواصلها وبحرف الميم في آخرها ما عدا الآية الأولي التي انتهت بحرف اللام ، وهما من الأصوات التي يكثر التبادل بينها لما بينهما من تشابه في الصفات .
نتائج التحليل المقطعي :
1 )الآية الأولي جاءت في شكل قسمين وكأنهما بيت شعر مقسوم ومصرع ،قد تساوي كل قسم مع الآخر في عدد الحروف ونوعها ، والمقاطع ونوعها وترتيبها . وهذه الآية جاءت في ما يشبه اللافتة ،التي توضع في أول الطريق ، أو مدخل الباب لتشير إلي من فيه ، قائلة هنا أصحاب الشمال وما هم فيه من جحيم ، وهي تذكرنا بتلك اللافتة التي كانت عند بداية الحديث عن أصحاب اليمين ، وما هم فيه من نعيم ،و قد تطابقت كلتا اللافتتين تماما ،وكأنهما شيْ واحد ،إلا أن المعني فيهما متضاد تماما بسبب كلمتي اليمين والشمال ، فاختلف المحتوي لاختلاف اللافتة التي في المدخل بين الشمال واليمين .
وهذه الآية مكونة من عبارة تكررت مرتين ، كانت الأولي مبتدأ والثانية خبره ، فاكتمل المعني بهما ، رغم هذا التكرار، ثم كان الاستفهام في بداية الثانية ليعطي معني الدهشة ، ويحث علي معرفة الإجابة عليه ، فنعرف هؤلاء القوم ،وما هم فيه من نعيم أو جحيم .
ب ) أما باقي آيات المجموعة فجاءت في قالب واحد ، حيث انتهت بالمقطع الرابع وصوت الميم في آخرها ، وفي عدد متقارب من المقاطع :7/6/8 ، مع ملاحظة تكرار صوت الميم في نهاية كل الفواصل التي تصف جحيم أصحاب الشمال ، وكأن الميم علامة للجحيم ، رغم عدم ذكر كلمة الجحيم في هذه الفواصل الخاصة بأصحاب الشمال : حميم / يحموم /كريم .
مقارنة بين أصحاب اليمين وأصحاب الشمال :
لو قارنا بين آيات أصحاب اليمين وأصحاب الشمال لوجدنا تشابها واختلافا بينهما.
فكان الاتفاق:
1) في اللافتة التي في الآية الأولي من المجموعة بشكل متطابق تماما .
2) وجود مجموعة آيات قصيرة بعد اللافتة تشير إلي حال أصحاب اللافتة .
3) انتهت جميع فواصل الآيات بالمقطع الرابع .
4) تؤدّي جميع الآيات بطريقة متشابهة وسريعة نظرا لقصرها ،وقلة مقاطعها ،مما يلفت الانتباه للمقارنة بينهما ، والمقابلة بين حياة أصحاب النعيم وأصحاب الجحيم .
5) الاتفاق في موضع النبر في الصورتين تقريبا ،علي المقطع الرابع في نهاية الفواصل .
وكان الاختلاف في:
أ‌) الحرف الأخير عند أصحاب الجحيم الميم ،وعند أصحاب النعيم الدال للتمييز بينهما.
ب‌) قلة عدد الآيات التي تصف حال أصحاب الجحيم بالنسبة لأصحاب النعيم .
أثر التكوين المقطعي علي التركيب :
هذه المجموعة بكل آياتها تمثل جملة واحدة ، في آيات متعدد بتعدد الصفات التي وردت فيها؛ بين وصف لمكانة أصحاب الشمال ، و ظلهم الذي يختلف عن ظل أصحاب اليمين ، فكانت كل آية تكمل جانبا من الجملة :
1 ـ الآية الأولي تمثل الجملة الأصلية، المبتدأ والخبر(أصحاب الشمال ما أصحاب الشمال ).
2 ـ الآية الثانية تحتوي علي جار ومجرور متعلق بالجملة الأصلية (في سموم وحميم ).
3 ـ الآية الثالثة معطوفة علي التي قبلها (وظل من يحموم ).
4 ـ الآية الرابعة صفة لما في الآية التي قبلها، وهو الظل (لا بارد ولا كريم ).
هذا التركيب الخاص للجملة في شكل آيات مختلفة ممتدة فرض عليها ضرورة وجود إيقاع في نهاية كل آية في الفاصلة الالتزام بالمقطع الرابع ، وهذا الالتزام أثر علي التركيب في:
أ ) تقديم صفة( لا بارد) علي صفة( لا كريم) لتقع كلمة كريم في الفاصلة ، فتكوّن إيقاعا مع الفاصلة التي قبلها (يحموم) فهما تنتهيان بالمقطع الرابع وبحرف الميم ,ومع ما قبلهما (حميم).
ب)عطف (حميم )علي( سموم) ، وليس العكس فيحدث تنوعا في الحرف الضيق :ياء ثم واو ،ثم ياء.
ج ) التحضير للمقطع الرابع بكلمة سموم والتي نراها في الآية التالية (يحموم)وكأنها صدي لها.
د ) وجود النبر علي هذا المقطع لوجوده في آخر الكلمة ،ولأنه أكبر مقاطع الكلمة .
هـ) قصر الآيات أظهر المقطع الرابع والنبر الذي بالفاصلة ، و أتي بالإيقاع المتساوي فيها.
المجموعة الثانية عشرة
قال تعالي )إنهم كانوا قبل ذلك مترفين {45} وكانوا يصرون علي الحنث العظيم {46} وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون {47} أوآباؤنا الأولون {48} )
التحليل المقطعي :
إنهم كانوا قبل ذلك مترفين {45} وكانوا يصرون علي الحنث العظيم {46}
إن/ن/هم/كا/نو/قب/ل/ذا/ل/ك/مت/ر/فين و/كا/نو/ي/صر/رو/ن/ع/لل/حن/ث/ال/ع/ظيم
3/ 1/ 3/2/2/3 / 1/2/1/1/3 /1 /4 1 /2 /2/ 1/ 3/ 2/1/ 1/3/3/1 / 3/ 1/4
وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون {47}
و/كا/ نو /ي/قو/لو/ن/ أ/إ/ذا/مت/نا/و/كن/نا/ت/را/ب ن/و/ع/ظا/م ن/أ/إن/نا/ل/مب/عو/ثون
1/2 / 2/ 1/2/2/1/1/1/2/3/2/1/3/2 /1/ 2/ 3 1/1/ 2/3 /1 /3/2/1 /3/2 /4
أوآباؤنا الأولون {48}
أ/و/آ/با/ؤ/نا/ال/أو/و/لون
1/1/2/2/1/2/3/3/1/4
وصف المجموعة:
تتكون هذه المجموعة من أربع آيات تدور حول حوار بين أصحاب الشمال وبين الحق تبارك وتعالي عن سبب دخولهم الجحيم فجاءت الآيات بصورة معينة هي :
1 ـ انتهت فواصلها بالمقطع الرابع ، وبأعداد مختلفة : 13/15/29/10.
2 ـ جاءت آية طويلة في وسط المجموعة وهي الثالثة ، بين آيات قصار ، ولكننا نشعر معها بإيقاع متناسق ، فقد استعاضت الآية ببدائل أخر لتكون هذا الإيقاع ،حيث اعتمدت علي :
أ) النبر : تم توزيع مواضع النبر في الآية لتحقق نغما متساويا متناسقا .
ب) استخدام صوت الهمزة والنون والميم بكثرة ، مما كان له تأثير كبير علي الإيقاع ،
الهمزة :صوت حنجري مهموس انفجاري ، يستدعي النطق به وقفة للهواء في الحنجرة قبل
النطق به ، عند الوترين ،ثم يليه انفجار ،مما يجعل تدفق الهواء في شكل سيل مع الصوت الذي قبل الهمزة يتوقف عن الجريان استعدادا لنطق الهمزة (عملية حبس الهواء) ،فيحدث ما يشبه الرجة قبل النطق بالهمزة ، ثم انفجار مع .النطق بها .
لقد تم توزيع مواضع الهمزة في الآية ، حيث جاء ت في موضعين :الأول في نهاية الثلث الأول من الآية ، والثاني في أول الثلث الأخير ،ولكن في كل موضع منهما جاءت الهمزة مكررة لنشعر بتلك الرجة الشديدة متكررة، ثم يليها انفجار الهمزة، بل إن وجود الهمزة وانتشارها ليمتد إلي الآية التالية، ولكن في تركيز شديد لتظهر الرجة بصورة أكبر ، حيث تكررت أربع مرات في آية واحدة أقصير من سابقتها .
النون والميم : كلاهما صوت خيشومي يحدث في النطق به تغيير مسار الهواء من الفم إلي الأنف، فيحدث ما يعرف بالغنة ، و هو صوت رقيق رخيم عذب يصاحب الهواء الخارج من الأنف ، وتوزيع هذين الصوتين علي كل كلمات الآية تقريبا ، فلا تكاد تخلو كلمة من أحدهما أوهما معا ، مما يعطي الآية نغما موزعا متساويا علي طول الآية .
ج)الطبيعة الحوارية للآية جعلها مقسومة علي قسمين ؛قسم عبارة عن جملة خبرية (وكانوا يقولون ) وجملة إنشائية (أئذا متنا وكنا تراب وعظاما ...الآية )، مما يظهر المقطع الرابع في وسط الآية من خلال سكتة خفيفة نحسها في هذا الموضع رغم استمرار سيل الكلام في نهاية كلمة( يقولون) ، ثم يأتي المقطع الرابع في الفاصلة في كلمة( لمبعوثون) ، ثم تأتي الآية التالية مكملة للمعني ،محافظة علي النهاية المقطعية الخاصة بالمجموعة لتكون الإيقاع نفسه في نهايتها ، في آية مستقلة ، فنشعر باستمرار الإيقاع الناتج عن تكرار الواو والنون ، وانتقاله من كلمة إلي أخري عبر هذه الآيات من كلمة : يصرون > يقولون > لمبعوثون > الأولون .
هذا الأمر يُظهر أن الأساس في النص القرآني عند تلاوته إظهار الإيقاع ، و الذي يستدعي أحيانا تقسيم الجملة إلي آيات متعددة ، ليظهر الإيقاع مع نهاية كل فاصلة بما فيها من توافق في المقاطع والحرف الأخير ومواضع النبر .
عناصر تكوين الإيقاع :
1 ـ تكرار المقطع الرابع في نهاية كل فاصلة.
2 ـ توزيع النبر في الآيات الطوال .
3 ـ تكرار صوت الهمزة والنون والميم .
4ـ تكرار الواو والنون في كلمات متقاربة متساوية المسافات لتنتج إيقاعا منتظما .
المجموعة الثالثة عشرة
قال تعالي ( قل إن الأولين والآخرين {49} لمجموعون إلي ميقات يوم معلوم {50} ثم إنكم أيها الضالون المكذبون{ 51}لآكلون من شجر من زقوم {52} فمالئون منه البطون {53} فشاربون عليه من الحميم {54} فشاربون شرب الهيم {55} هذا نزلهم يوم الدين {56}
التحليل المقطعي:
قل إن الأولين والآخرين {49} لمجموعون إلي ميقات يوم معلوم{50}
قل/إن/ن/ال/أو/و/لي/ن/و/ال/آ/خ/رين ل/مج/مو/عو/ن/إ/لي/مي/قا/ت/يو/م ن/مع/لوم
3 /3/1/3 /3/1/ 2/1/1/ 3/2/1/4 1/ 3/2 /2/ 1/1/2/ 2/2/1/3 /3/ 3 /4
ثم إنكم أيها الضالّون المكذبون {51} لآكلون من شجر من زقوم {52}
ثم /م/إن/ ن/كم/أي/ ي/ها/اض/ضال/لو/ن/ال/م/كذ/ ذ/بون ل/آ/ك/لو/ن/من/ش/ج/رن/من/زق/قوم
3/1/ 3/ 1/3/ 3 /1 / 2/3/ 4 / 2/1 /3 /1/3/1/4 1/2/1/2/ 1/3/ 1/ 1/ 3/ 3/ 3/4
فمالئون منها البطون {53} فشاربون عليه من الحميم {54}
ف/ما/ل/ئو/ن/ من/ ها/ال/ ب/طون ف/شا/ر/بو/ن/ع/لي/ ه/م/ن/ال/ح/ ميم
1/ 2/ 1/2/ 1/3/ 2/3 /1/ 4 1/2/ 1/2 /1/1/2 /1/1/ 1/ 3/ 1/4
فشاربون شرب الهيم {55} هذا نزلهم يوم الدين {56}
ف/شا/ر/بو/ن/شر/ب/ال/هيم ها/ذا/ن/ز/ ل/هم /يو/م/ال/دين
1/2/1/2/ 1/3/ 1/3 /4 2/2/1/ 1/1/ 3/ 3 /1/3/4
انتهت هذه المجموعة بالمقطع الرابع ،وهي مستمرة في الحوار مع المشركين وعن مصيرهم وحالهم ، وألوان العذاب في جهنم ،وهذه المجموعة تتميز بخصائص صوتية جعلت لهاإيقاعا مميزا، يمكن أن نلاحظه من خلال العنوان التالي .
عناصر تكوين الإيقاع :
1 ـ وجود المقطع الرابع في كل الفواصل ،وجاء لأول مرة في وسط الآية في الضالون (ضال)
2 ـ انتهاء الفواصل بصوت : أ) الواو والنون { مرتين} ب)الياء والنون {مرتين}
ج)الياء والميم {مرتين} د) الواو والميم {مرتين}
في إطار آيات المجموعة الثمانية ، وهذا العدد تم توزيعه علي نهايات تلك الآيات بصورة متساوية في العدد والنوع ، حيث كل حرفين وردا مرتين في نهاية آيتين مختلفتين .
فالياء والنون وردتا في الآيتين رقم :49 ـ 56 ، أي في أول المجموعة وآخرها .
والياء والميم في الآيتين :54 ـ 55 ، أي هما متتاليتان .
والواو والنون في الآيتين : 51 ـ 53 ، بينهما آية
والواو والميم في الآيتين : 50 ـ52 ، بينهما آيتان .
والكلمات هي : الأولين ـ لمجموعون ـ لضالون ـ آكلون ـ مالئون ـ شاربون ـ شاربون ـ الدين. 3ـ تكرار الواو والنون وكذلك الياء والنون في وسط كل آية تقريبا صنع إيقاعا متساويا متجانسا عن طريق وقوع النبر في وسط الآية وفي آخرها.
الإيقاع والتراكيب :
تمتاز هذا الآيات بالإيقاع المنتظم المتساوي الناتج عن تساوي المسافات بين مواضع النبر ، وقد تحقق له هذا بسبب وجود توزيع للمقطع الرابع في الآيات ، و الذي تكوّن من هذه الحروف وتكرارها بهذا الشكل الياء والنون أو الواو والنون أو الياء والميم أو الواو والميم إلي جوار حرف آخر معهما في نهاية فاصلة كل آية ، مع تكرار لها في وسط الآية ، وبهذا يتكون الإيقاع المتساوي الذي نلاحظه في الآيات .
والنص القرآني في سبيل تحقيق هذا الإيقاع المتساوي والنغم المتجانس الذي نلاحظه في الآيات ؛ قام بتغيير في بناء الجملة ،وصنع أشياء منها :
1 ـ وزع معني الجملة علي أكثر من آية متساوية المقاطع مع أختها (تقريبا) .
2 ـ أتي بكلمات ( أفعال وأسماء ) في وسط الآية وآخرها ؛ منتهية بصوتين (ميم ـ نون)
فغيّر في البناء التركيبي للجملة كما يأتي :
أ ) جمع في الآية الأولي بين الأولين والآخرين بالعطف ،فجرا بالياء فتساوي الإيقاع في الآية
ب)جاء بخبر إن في أول الآية الثانية وبصفة اليوم في آخرها(معلوم)ليتساوي الإيقاع بالآية.
ج) جاء بالمنادي في الآية الثالثة موصوفا بصفتين متتاليتين(ضالون مكذبون)لنفس السبب.
د)جاء بخبر إن في أول الآيه الرابعة مرفوعا بالواو ليتساوي مع آخرها (زقوم) (لآكلون).
هـ )جاء في الآية الخامسة بالمبتدأ اسم فاعل جمعا سالما ليتساوي مع المفعول (البطون)بالنهاية.
و)جاء في أول الآبه السادسة باسم فاعل جمعا سالما ولكن مع تغيير في النهاية بياء وميم (حميم)
ز) بدأت الآية السابعة بشاربون لتتوافق مع الهيم في آخرها ،ومع الآية التي قبلها في حميم .
ح) انتهت المجموعة بغير المعهود وبكسر العادة ، فلم تأتي في وسطها بكلمة توافق نهايتها .
وبالجملة نري الآية تغير في بناء الجملة ، وتقسمها وتقدم وتأخر فيها ، وتغير في الأسماء من المفرد إلي الجمع ،وتختار من الجموع ما يحقق التجانس الصوتي ، فتختار جمع المذكر السالم في موضع ليتناسب مع النهاية المقطعية في آخر الآية ، واستخدام كلمات مفردة مساوية في الوزن والتركيب المقطعي لكلمات مجموعة جمع مذكر سالم ،وأفعال من الأمثلة الخمسة مرفوعة ، فيكون تجمعها المتكرر مقطعا من النوع الرابع ، كما في : الأولي، الآخرين ، مجموعون ،معلوم ،ضالون ، مكذبون ، آكلون ، شاربون ، زقوم ،مالئون ، بطون ، الحميم ، الهيم ، الدين .
كل هذه الكلمات تم توزيعها علي الآيات في وسطها ونهايتها ليكوّن لنا هذا الإيقاع المنتظم المتناسق والنغم الساحر ، فسبحان منزله .
اللوحة الرابعة ( أصحاب الشمال)
هذه اللوحة تشمل آيات المجموعة الحادية عشرة حتي الرابعة عشرة ، وتتحدث عن أصحاب الشمال وما أصابهم من عذاب ، وتتناول هذه الآيات أصحاب الشمال في صورة كاملة الجوانب:
1 ـ تبدأ الآية الأولي بعرض اسم أصحاب هذه اللوحة في شكل لوحة أو لافتة كبيرة كتب عليها هؤلاء أصحاب الشمال ،ثم يكمل العنوان بسؤال يثير السامع هو من أصحاب الشمال ؟ مما يدفع السامع إلي متابعة الجواب ، ومنتهيا بالمقطع الرابع كما في المجموعة ، ولكن بصوت اللام بدلا من النون والميم اللذين يعمان المجموعة كلها فبدا بارزا ظاهرا .
2 ـ ثم جاءت مجموعة من الآيات المتتالية القصيرة توضح مكانتهم في الآخرة ، تماثل آيات أصحاب اليمين في الشكل والإيقاع والنغم وتخالفها في المعني والمضمون ، ولكن في إيقاع سريع ( في سموم وحميم *وظل من يحموم* لا بارد ولا كريم) وكأنها طلقات نارية سريعة ،صدرت في شكل حكم علي هؤلاء القوم من الحكيم العليم سبحانه وتعالي .
3ـ استخدام صوت الميم بكثرة في نهاية الكلمات التي تصف أصحاب الشمال ، في مقابل الدال وكأنها مستعارة لهم من الجحيم مثل (سموم و حميم ويحموم وزقوم والحميم و الهيم ).
4 ـ ثم تأتي اللوحة بجانب آخر من الصورة وهو بيان أسباب دخولهم النار(حيثيات الحكم) بكلمة (كانوا) إشارة إلي أفعالهم السابقة وتكرارها ، في مجموعة تنتهي بالمقطع الرابع أيضا ، ولكن في صورة حوارية .
ولهذا كانت الآيات أطول لما تستلزمه الطبيعة الحوارية للآيات ،فاستعاضت عن ذلك القصر بوسائل تكوّن إيقاعا في داخل الآية ، منها توزيع مواضع النبر في أماكن كثيرة من الآية وبصورة متساوية ، واستخدام صوت الهمزة بكثرة، و كذلك النون والميم وتوزيعها في الآية .
6 ـ ثم يأتي رد الحق عليهم من حيث انتهوا ، ولكن بكلمات تحقق هذا الانسجام الصوتي الذي نشعر به بكلمتين تشيران إلي جمعه السابقين واللاحقين للحساب ، وتحققان الإيقاع المطلوب ‘ وهما (الأولين والآخرين) فهما كما تري تنتهيان بالياء والنون وبالمقطع الرابع ، بل إنه يفصل بين أجزاء الجملة ليحقق هذا الإيقاع باقتسام الجملة في آيتين (إن الأولين والآخرين * لمجموعون) .
7 ـ ثم يوضح الحق تبارك وتعالي أنواع العذاب الواقع عليهم من خلال المأكل والمشرب ، فاختار كلمات تعبر عن هذا المعني ، وتحقق الانسجام الصوتي المطلوب للتوافق مع الإيقاع العام ،وذلك بكلمات تنتهي بالمقطع الرابع ( الضالون ـالمكذبون ـ لآكلون ـ زقوم ـ مالئون ـالبطون ـ شاربون ـ الحميم ـ الهيم ـ الدين ) وكلها كلمات تنتهي بالمقطع الرابع وبحروفي:الميم والنون .
المجموعة الرابعة عشرة
قال تعالي ( نحن خلقناكم فلولا تصدقون {57} أفرأيتم ما تمنون {58} أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون {59} نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين {60} علي أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون {61}ولقد علمتم النشأة الأولي فلولا تذكرون {62}أفرأيتم ما تحرثون {63} أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون {64}لو نشاء لجعلناه حطاما فظْلتم تفكهون {65} إنا لمغرمون {66} بل نحن محرمون {67} أفرأيتم الماء الذي تشربون {68} أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون {69}لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون {70} أفرأيتم النار التي تورون {71} أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون {72} نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين {73} فسبح باسم ربك العظيم {74}
هذه الآيات تمثل لوحة متكاملة تناولت جوانب كثيرة من نعم الله علي عبادة ، لهذا أري أن نقسمها إلي أقسام حسب كل نعمة من النعم ،فهناك نعمة الخلق ونعمة الزرع ونعمة الماء ونعمة إيقاد النار من الشجر الأخضر ، ونتناول كل نعمة علي حدة .
أولا : نعمة الخلق :
تنصب هذه الآيات حول موضوع واحد وهو خلق الله للبشر ، يعرض الموضوع في صورة حوار هو رد منه علي إدعائهم بعدم البعث ‘ وكان رد الحق تبارك وتعالي : إذا لم يكن هناك بعث ؛ فكيف كان الخلق الأول ؟!
التحليل المقطعي :
نحن خلقناكم فلولا تصدقون {57} أفرأيتم ما تمنون {58}
نح/ ن/ خ/لق/نا/كم/ف/لو/لا/ت/صد/د/قون أ/ف/ر/أي/تم/ما/تم/نون
3/ 1/1/ 3 /2/ 3/1/3/ 2/1/ 3/ 1/4 1/1/ 1/ 3 / 2/ 3 /4
أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون {59}
أ/ان/تم/تخ/ل/قو/ن/ه/أم/نح/ن/ال/خا/ل/ق ون
1/ 3 /3/3/1 /2 /1/1/3/3/1/3/2/1/4
نحن قدّرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين{60}
نح/ن/قد/در/نا/ بي/ن/كم/ال/مو/ت/و/ما/نح/ن/ ب/مس/بو/قين
3/ 1/3/ 3/2/3 /1/3/3/ 3 /1/1/2/3 /1/1 /3 /2/4
علي أن نبدل أمثالكم و ننشئكم في ما لا تعلمون {61}
ع /لي /أن/ن/بد/د/ل/أم/ثا/ل/كم/و/نن/ش/ئ/كم/في/ما/لا/تع/ل/مون
1/ 2 /3 /1/3/1/1/3/2/1/3/1/3/ 1/1/3/2 /2 /2/3 / 1/4
ولقد علمتم النشأة الأولي فلولا تذكرون {62}
و/ ل /قد/ع/لم/تم/ان/نش/أ/ة/ال/أو/لي/ف/لو/لا/ت/ذك/ك/رون
1 /1/3 /1 /3/3/3/ 3/ 1/1/3/2/2/ 1/3/2/ 1/ 3/ 1/4
انتهت هذه الآيات بفاصلة منتهية بالمقطع الرابع وحرفي الواو والنون ،عدا واحدة انتهت بالياء والنون ،لكسر الرتابة والتكرار .
أولا : التركيب المقطعي والإيقاع والمعني :
تعانق كل من الإيقاع والمقطع لتكوين المعنى ، الذي عبرت عنه الآيات في صورة حوار بين الحق والذين كفروا ، فاستعانت اللغة بوسائل صوتية مختلفة لبيان فضل الله علي عباده كما يبدو من تحليلنا للآيات .
الآية الأولي :
النبر جاء في هذه الآية في مواضع توضح المعني المطلوب ،أن الله تبارك وتعالي هو الخالق وحده ، ثُم الذين كفروا ينكرون ، فجاء النبر في الكلمة الأولي (نحن) علي المقطع الأول منها (نح) فأعطي معني العظمة والكبرياء الخاص بالله ، ثم ظهر الجلال الحدث بالنبر علي مقطع (لق ) في فعل الحدث (خلقناكم ) لينتبه السامع للحدث ردا علي سؤال يطرح نفسه ( ماذا فعل صاحب ضمير العظمة نحن؟ فتأتي الإجابة خلقناكم منتهية بنبر آخر علي المقطع (كم) بضمير المخاطب وميم الجمع أي أنتم فانتبهوا ، ثم يأتي نبر آخر علي كلمة (فلولا) علي المقطع (لو) من النوع الثالث ليعطي معني الرجاء والتمني لو أنهم يصدّقون ،ثم يختم هذا بالتأكيد علي المعني السابق بالنبر علي المقطع الأخير من كلمة تصدقون في نهاية الآية (قون) وكذلك الدهشة لكفرهم مع بيان الحق ووضوحه وخطابه الموجه مباشرة إليهم (نحن خلقناكم وإذا بكم تكذبون فمن بعد الله تصدقون) فانظر إلي توزيع مواضع النبر وأثره علي المعني .
الآية الثانية :
تبدأ هذه الآية بالسؤال عن البداية المادية الملموسة للبشر، وهو المني الذي هو أساس نشأة الإنسان هل رأيتموه ؟ وهو شيء مادي ملموس يُري بالعين ، والسؤال له ما بعده فهو سؤال هام وحاسم في هذه القضية ؛ ولهذا جاء ت عناصر صوتية توضح أهميته منها :
أ‌) أنه جاء في جملة قصيرة في آية قصيرة ليلفت الانتباه له .
ب) كرر صوت الهمزة مرتين في أول الآية رغم قصرها ليهتز السامع مع رجّة الهمزة الصادرة من انفجار الهواء عند الوترين ، فيعطى الإحساس بأهمية السؤال ,فهذا هو السبب في استخدام الفعل( رأيتم) مكان شاهدتم وتكراره في كل أسئلة الآيات التالية ،وأشار ابن جني إلي تأثير صوت الهمزة علي المعني بقوله ( ...من ذلك قول الله سبحانه {ألم تر أنّا أرسلنا الشياطين علي الكافرين تؤزّهم أزّا} مريم 83 ،أي تزعجهم وتقلقهم .فهذا في معني تهزهم هزا، والهمزة أخت الهاء؛فتقارب اللفظان لتقارب المعنيين ، وكأنهم خصوا هذا المعني بالهمزة لأنها أقوي من الهاء ،وهذا المعني أعظم في النفوس من الهز ،لأنك قد تهز ما لا بال له، كالجذع وساق الشجرة ونحو ذلك) .(1)
ج)النبر :تم توزيعه علي مواضع تبين المعني وتوضحه ، فهو علي أول مقطع من(أفرأيتم) لأثارت الانتباه، وإعطاء معني السؤال ، وعلي المقطع الأخير منها (تم) ،ثم يأتي علي المقطع الأخير من تمنون (نون) مؤكدا علي نسبة الفعل لهم وصدوره منهم ( أي تمنون أنتم) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الخصائص لابن جني ج2 146.
الآية الثالثة :
هي سؤال تقريري لا يحتاج لجواب ‘ فهو معرف ، فإذا كانت بداية الإنسان الحالي لا تخلقونها رغم أنكم ترونها؛ فما بالكم بالإنسان الأول كيف كان ؟ فعبرت عن هذا المعني بعناصر منها:
أ) تكرار الهمزة عدة مرات وتوزيعها بين أول الآية مرتين ،ووسطها ؛أعطي شعورا بأهمية السؤال .
ب) لو قسمنا الآية بسكتة خفية بعد (تخلقونه) لكانت قسمين متساويين في عدد المقاطع ، مما يعطي معني الاستفهام الاستنكاري لنكرانهم الحق وهم يعلمون:أأنتم تخلقونه ؟ أم نحن الخالقون؟
ج)استخدام كلمة تخلق مرتين(فعلا واسما) منتهية بواو ونون في وسط الآية وآخرها ؛ كون إيقاعا متساويا .
الآية الرابعة :
تكرار كلمة نحن في الآية مرتين في أول الآية ووسطها ،وكان النبر علي المقطع الأول (نح) في المرتين فصنع توازيا في الإيقاع ، وقد تكررت هذه الكلمة أربع مرات في آيات هذا الموقف لإظهار عظمة الله الكبير المتكبر ،ونلاحظ غلبة المقطع الثالث علي مقاطع هذه الآية البالغ تسعة عشر مقطعا بطريقة منتظمة علي طول الآية بمعدل 9:10 مما أدي إلي ظهور إيقاع متساو في الآية .
الآية الخامسة :
ارتبطت الآية بما قبلها نحويا ،حيث كان نصفها الأول متعلقا بالجملة السابقة ،وكان نصفها الثاني مطعوفا عليها ،مما جعلها مرتبطة فكريا بما قبلها ،مما يشعر بامتداد النغم من الآية السابقة إلي التالية في تساو وانتظام .
كما أن وجود النبر علي المقطع الثالث في كلمتي Sadأمثالكم )و(ننشئكم) علي المقطع (كم)أفاد معني التهديد، يقول الطاهر بن عاشور: (ويجوز أن يفيد معني التهديد بالاستئصال ،أي لو شئنا استأصلناكم لما أعجزتمونا فيكون إدماجا للتهديد في أثناء الاستدلال) (1)
الآية السادسة :
نلاحظ تكرار المقطع الثالث بما يعادل نصف الآية ،كما أن وجوده في كلمة فلولا علي المقطع (لو) أعطي معني الرجاء بأن يتذكروا .
أثر التركيب المقطعي علي بناْء الجملة :
كان هدف الآيات بيان فضل الله علي خلقه بأن خلقهم وإثبات ذلك ،ولكن في صورة آيات تتلي ‘ولهذا جاءت الجملة في الآيات ممتدة ،وحافظت علي إيقاع متناسق متساو ناتج عن تساوي المقاطع وانتظام مواضع النبر فيها ، فالتزمت الآيات بفواصل منتهية بالمقطع الرابع ،وهو موضع النبر في الفاصلة ، وهي في سبيل المحافظة علي هذا الالتزام قسمت الجملة بين الآيتين ، كما في قوله(وما نحن بمسبوقين * علي أن نبدل أمثالكم ) ، وإلي جانب هذا فقد تحتوي الآية علي عدة جمل نحو Sad ولقد علمتم النشأة الأولي فلولا تذكرون ).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور المجاد الحادي عشر ج 11 ص317.
ثانيا نعمة الزرع :
التحليل المقطعي:
أفرأيتم ما تحرثون {63} أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون {64}
أ/ف/ر/أي/تم/ما/تح/ر/ثون أ/أن/تم/تز/ر/عو/ن/ه/أم/نح/ن/از/زا/ر/عون
1 /1/1/3/ 3/2/ 3/1/4 1 /3/3/ 3/1/2/ 1/1/3/3/1 /3/2 /1/4
لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون {65} إنا لمغرمون {66}
لو/ن/شا/ء/ل/ج/عل/نا/ه/ح/طا/م ن/ف/ظل/تم/ت/فك/ك/هون إن/نا/ل/مع/ر/مون
3/1/2/ 1/1 /1/3/2/1/ 1/2/ 3/1/ 3/ 3/1/ 3/1/4 3/2 /1/ 3/1/4
بل نحن محرومون{67}
بل/نح/ن/مح/رو/مون
3/ 3/1/ 3/ 2/4
ثالثا نعمة الماء :
أفرأيتم الماء الذي تشربون {68} أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون {69}
أ/ف/ر/أي/تم/ال/ما/ء/ال/ل/ذي/تش/ر/بون أ/أن/تم/أن/زل/ت/مو/ه/م/نل/مز/ن/أم/نح/ن/ال/من/ز/لو
1/1/1/3/ 3/3/ 2/ 1/3/1/ 2/ 3/1/4 1/ 3/3/3/ 3/ 1/ 2/1/1/3/3/ 3/3/ 1/3/3/1/4
لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون {70}
لو/ ن/ شا/ء/ج/عل/نا/ه/ أ/جا/ج ن/ف/لو/لا/تش/ك/رون
3/ 1 /2/ 1/1/ 3/ 2 /1/1/2/3 /1/ 3 /2/ 3/ 1 /4
رابعا :نعمة إيقاد النار من الشجر الأخضر:
أفرأيتم النار التي تورون {71} أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون{72}
أ/ف/ر/أي/تم/ان/نا/ر/ال/ل/تي/تو/رون أ/أن/تم/أن/شأ/تم/ش/ج/ر/ت/ها/أم/نح/ن/ال/من/ ش/ئون
1/1/1/3/3 /3/2/1 /3/1 /2/ 2/4 1/ 3/3/3/3/3/1/ 1/1/1/ 2/3/ 3 /1/3/3/ 1/4
نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين{73} فسبح باسم ربك العظيم {74}
نح/ن/ج/عل/نا/ها/تذ/ك/ر/ة ن/ و/م/تا/ع ن/لل/مق/وين ف/سب/بح/بس/م/رب/ب/ك/ال/ع/ظيم
3/1/1/ 3/ 2/ 2/3/ 1/1/3 /1/1/2/3 /3/ 3/4 1/ 3/ 3/ 3/1/3/ 1/ 1 /3/1 /4
تستمر الآيات في عرض نعم الله علي خلقه بنفس القالب التركيبي من البدء بالاستفهام عن النعمة ، ثم المنعم ، ثم ماذا لو ذهبت النعمة ؟ و مع تكرار القالب التركيبي تتكرر المقاطع ومواضع النبر ، مما يؤدي إلي تكرر الإيقاع والنغم في تساو وانتظام .
جاء ذلك في جمل قصيرة تنمو وتطول مع اتساع الحوار، منتهية بفواصل من المقطع الرابع ،وبحرفي الواو والنون جميعها فلو قابلنا بين النعمتين (الخلق والزرع ) من الجانب الصوتي لوجدنا تطابقا تاما في القالب التركيبي مع تغيير تستوجبه طبيعة النعمة ، وتستمر الآيات علي هذا النمط في باقي النعم ، وهذا النمط يؤدي إلي تكرار الإيقاع الموجود مع كل نعمة؛ بإتباع
منهج متماثل في القراءة ،وتكرار العدد المتشابه نفسه من المقاطع والأصوات، ويظهر هذا الإيقاع مع نهاية الآية في الفاصلة ، وينتهي هذا الجانب بآيتين جاءتا في صورة مقطعية متماثلة تماما في عدد المقاطع ونوع المقطع الأخير، فكل آية مكونة من ستة مقاطع ومنتهية بالمقطع الرابع، وبحرفي الواو والنون ، وكأنه حديث بين الإنسان ونفسه ،حيث يذكر أمرا فيرد علي نفسه برفض هذا الأمر فمن هنا جاء التساوي بين الآيتين Sadإنا لمغرمون ؛ بل نحن محرومون).
التكامل النحوي لخلق الإيقاع :
يأتي هذا التكامل بين التراكيب والإيقاع في الآيات من :
1 ـ استخدام ضمير للمتكلم وللمخاطب واحد هو جمع المذكر السالم في الفاصلة لتنتهي بالمقطع الرابع في كل الآيات ، وفي وسطها أيضا ، لتنتهي بواو ونون أو ياء ونون ، مع اختلاف العائد عليه هذا الضمير ، فتارة يكون الله تعالي ،وتارة يكون عائدا علي المشركين .
2ـ نوع الكلمة في الفاصلة :تنتهي كلمة الفاصلة بياء ونون أو واو ونون ،ولكن قد تكون هذه الكلمة فعلا أو اسما (تزرعون ، تفكهون، تحرثون ) (محرومون ،مغرمون ،محرومون) .
3 ـ تكرار النهاية المقطعية في الفاصلة يأتي من وسط الآية بالتحضير له بكلمة منتهية بالنهاية نفسها ،كما في : (أأنتم تزرعونه ؛ أم نحن الزارعون ) و( أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون) .
4ـ كثرة تكرار الواو والنون في نهاية الفاصلة ، بمعدل خمس عشرة مرة في مقابل مرتين بياء ونون أوجد إيقاعا ونغما جميلا من تكرار الواو والنون في نهاية الفاصلة ووسط الآية في نحو : تزرعونه تخلقونه ، ثم يكسر هذا التكرار بهاتين المرتين .
5 ـ المحافظة علي نهاية الفاصلة بالواو والنون جعله يصف الماء الذي يشرب بصفة منتهية بواو ونون فأسند الفعل إلي واو الجماعة في حالة رفع فأصبح تشربون .
6 ـ ومن أجل السبب السابق قسم الجملة علي قسمين الأول: منته بياء ونون ، ويكون هو نهاية الفاصلة ، والثاني متعلق بالأول ، يقول الطاهر بن عاشور (ويتعلق {علي أن نبدل أمثالكم } بمسبوقين لأنه يقال :غلبه علي كذا إذا حال بينه وبين نواله) (1)
اللوحة الخامسة : نعم الله علي عباده
تعرض هذه الآيات من 57 إلي 74 لصور متنوعة من نعم الله تعالي علي عباده من نعمة الخلق إلي نعمة إخراج الزرع إلي نعمة الماء إلي نعمة إيقاد النار من الشجر الأخضر، في صيغة حوار بين الحق تبارك وتعالي وبين المشركين ، التزم فيه بقالب تركيبي متكرر بالقوالب النحوية نفسها ،و الجمل نفسها تقريبا مع استبدال النعمة بنعمة أخري فقط ، حيث يبدأ كل قسم بسؤال عن النعمة باستخدام الفعل( رأيتم) الموجه للمخاطب المطالب بضرورة الرؤية بالعين ليتحقق علي المخاطب سقوط الحجة للمعاينة والمشاهدة بالعين .
ثم يأتي بعد ذلك سؤال آخر عن إسناد النعمة إلي الخالق أم المخلوق ؟ ولأنه سؤال معروفة إجابته لم يجب عنه سبحانه ،فكان الغرض منه التقرير، ثم تأتي جملة شرطية تقول وماذا لو سلبت هذه النعمة، ماذا أنتم فاعلون ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ التحرير والتنوير المجلد الحادي عشر ج11 ص 316.
ويتكرر هذا القالب مع كل نعمة مستخدما التراكيب والأدوات والأفعال نفسها تقريبا ،مما يؤدي إلي اتحاد الجمل في الطول والتركيب والتوافق إلي حد بعيد في عدد المقاطع ومواضع النبر والمقطع الأخير في كل فاصلة والحرف الأخير وقبل الأخير (غالبا) في كل فاصلة .
ففي الآية الأولي نجد أنها تتكون من السؤال الذي جاء في هذا القالب المتكرر:
( أ )لاستفهام +الفعل :رأيتم + ما + (جملة صلة فعلية مسندة لواو الجماعة ،وآخرها المقطع الرابع)
والسؤال الثاني وجاء في هذا القالب :
الهمزة لاستفهام +ضمير المخاطب أنتم +خبره فعل+أم +نحن +خبره اسم فاعل للفعل السابق منتهي بواو ونون ؛ ليكوّن منهما المقطع الرابع ونهاية الفاصلة .
هذا الإيقاع المتناسق والمتكرر جاء من تكرار : حرف الاستفهام ( أ ) والفعل رأي ‘ وضمير المخاطب الجمعي (أنتم)، و(أم) العاطفة ، وضمير المتكلم الجمعي للتعظيم نحن ،والفعل المسند إلي واو الجماعة في حالة رفع ، واستبداله باسم الفاعل المتصل بواو ونون جمع المذكر السالم في بعض المواضع ليتحقق الانسجام الصوتي وهو من متطلبات الفاصلة .
هذا التركيب البنائي الخاص بهذه اللوحة استتبع توافقا مقطعيا بين الآيات المتقابلة ؛ كون لنا هذا الإيقاع المتكرر المنتظم ؛ الذي نحس به ولا نعرف مصدره ؛ والذي تكوّن من :
1 ـ عدد المقاطع في الجملة الأولي من كل آية متنامي صعودا ثم هبوطا : 8> 9> 15 < 12.
2 ـ نوع بعض المقاطع وترتيبها واحد لتكرار بعض الكلمات مثل :أ أنتم ، أم نخن ،أفرأيتم .
3 ـ تكرار بعض الأصوات التي لها صفات خاص فتحدث نغما في الآيات مثل:الهمزة والراء والواو والنون والياء والنون .
4 ـ التوافق في مواضع النبر نتيجة لهذا التشابه في التراكيب والكلمات ، أوجد إيقاعا متناسقا في داخل اللوحة كلها .
المجموعة الخامسة عشرة
قال تعالي : فلا أقسم بمواقع النجوم {75} وإنه لقسم لو تعلمون عظيم {76} إنه لقرآن كريم {77} في كتاب مكنون {78} لا يمسه إلا المطهرون{79} تنزيل من رب العالمين {80} أفبهذا الحديث أنتم مدهنون {81} وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون {82}
التحليل المقطعي :
فلا أقسم بمواقع النجوم {75} وإنه لقسم لو تعلمون عظيم{76}
ف/لا/أق/س/م/ب/م/وا/ق/ع/ان/ن/جوم و/إن/ن/ه/ل/ق/س/م ن/لو/تع/ل/مو/ن/ع/ظيم
1/ 2/3/1/ 1/ 1/1/2/1/1/ 3/1/4 1/ 3/1/1/ 1/1/1/ 3 /3/3/ 1/2/ 1/ 1/ 4
إنه لقرآن كريم {77} في كتاب مكنون {78} لا يمسه إلا المطهرون {79}
إن/ن/هـ/ل/قر/آ/ن ن/ك/ريم في/ك/تا/بن/مك/نون لا/ي/مس/س/هـ/إل/لا/ال/م/طه/هـ/رون
3/1 /1/1 /3/2/3 / 1 /4 2/1/ 2/ 3/3/ 4 2/ 1/ 3/ 1/1 /3/2/ 3/1/3/1 /4
تنزيل من رب العالمين {80} أفبهذا الحديث أنتم مدهنون{81}
تن/زي/ل ن/من/رب/بل/عا/ل/مين أ/ف/ب/ها/ذا/ال/ح/دي/ث/أن/تم/مد/ هـ /نون
3/ 2 /3 /3 /3/ 3/ 2/1/4 1/1/1/ 2/2/ 3 /1/2/ 1/ 3/ 3/3/ 1/ 4
وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون {82}
و/تج/ع/لو/ن/رز/ ق/كم/أن/ن/كم/ت/كذ/ذ/بون
1/3/ 1/ 2/1/ 3 / 1/3/ 3/ 1/ 3/ 1/3/1/4
تتحدث هذه المجموعة عن الكتاب الكريم ، ويقسم الحق تبارك وتعالي بمواقع النجوم علي صدقه ، ومكانته ، ولكن المشركين يكذبون ،وتنتهي هذه المجموعة بحرف الميم في الفاصلة في أول آياتها ، وقد مهدت الآية السابقة لهذا الحرف ،حيث انتهت بحرف الميم في فاصلتها ؛ وكأنها تربط بهذا الحرف بين المجموعتين ، ثم تعود بعد ثلاث آيات إلي حرف النون ، وهو الحرف الغالب علي نهايات الفواصل في السورة بشكل عام .
وقد جاءت الآيات في صورة متوازية متقابلة ،حيث نجد كل آيتين متتاليتين متساويتين تقريبا في عدد المقاطع ،وفي الحرف الأخير ،و تنتهي كل آيات المجموعة بالمقطع الرابع ، إلي جانب التساوي في مواضع النبر , كل هذا أوجد إيقاعا متميزا ونغما ساحرا ف
المشرف العام
المشرف العام
Admin

عدد المساهمات : 29
تاريخ التسجيل : 13/06/2010

http://almadawe.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الفونيمات فوق التركيبية في سور ةالواقعة  أ  د. عطية سليمان أحمد الجزء الأول Empty الفونيمات فوق التركيبية في سور ةالواقعة أ د. عطية سليمان أحمد الجزء الرابع والاخير

مُساهمة  المشرف العام الإثنين 14 يونيو 2010 - 5:46

إذن نحن أمام خطين يمثلهما النص القرآني : الأول وهو المعني والذي يتمثل فيما نراه من جمل كاملة صحيحة البناء واضحة المعني ، والثاني وهو الانسجام الصوتي الذي يُوجده الإيقاع الجميل الساحر الذي يشد الألباب والقلوب ، وله دور أيضا في وضوح المعني وبيانه ،ولهذا يجب أن ننظر إلي المعني ،ونسأل مم تكون المعني ؟ و ما عناصر بناء المعني في هذا النص ؟ لنري مدي التكامل والتلاحم بينهما (أي الصوت والمعني ) كما في هذه الآيات .
فنجد المقسم به في الآية الأولي وجواب القسم في الآية الثالثة ،وتأتي الآية الرابعة والخامسة والسادسة بصفات ومتعلقات بجواب القسم ، مما يجعل المستمع للكتاب الكريم يتتبع معني الجملة في الآيات ،ويرقبه بالانتقال من آية لأخرى ، و هو يستمتع بإيقاع الترتيل و الانسجام الصوتي الذي في الآيات .
لقد قسمت الجملة هنا إلي عدة آيات قصار ، فحقق ذلك عدة فواصل انتهت جميعا بالمقطع الرابع ،وبحرفي النون والميم ،وكان قصر الآيات سببا لتقارب وتساوي الإيقاع ، ومحدثا هذا النغم ،(فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون ) الجاثية الآية 6
المجموعة السادسة عشرة
قال تعالي :فلولا إذا بلغت الحلقوم {83}وأنتم حينئذ تنظرون {84} ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون {85}فلولا إن كنتم غير مدينين {86} ترجعونها إن كنتم صادقون {87}
التحليل المقطعي :
فلولا إذا بلغت الحلقوم {83} وأنتم حينئذ تنظرون {84}
ف/لو/لا /إ / ذا/ب/ل/غ/تل/حل/قوم و/أن/تم/حي/ن/إ/ذن/تن/ظ/رون
1/3/2/ 1/ 2/1/1/1/3/ 3 / 4 1/3/ 3/ 2 /1 /1/3/ 3/1 /4
ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون {85} فلولا إن كنتم غير مدينين {86}
و/نح/ن/أق/ر/ب/إ/لي/ه/من/كم/و/لا/كن/لا/تب/ص/رون ف/لو/لا/إن/كن/تم/غي/ر/م/دي/نين
1/3/1/3/1/ 1/1/3/1/3/3/ 1/2/3/2/3/ 1/ 4 1/3/2/3/ 3/ 3/3 /1/1/2/4
ترجعونها إن كنتم صادقين {87}
تر/ج/عو/ن/ها/ إن/كن/تم/ صا/د/قين
3/ 1 /2/ 1/ 2/ 3 /3/ 3 / 2 /1/4
تتكون هذه المجموعة من خمس آيات ، في تركيب غريب، حيث تصور الآيات لحظة خروج الروح من الجسد كفكرة واحدة ، فيبدو الترابط الفكري بينها ، والذي يستلزم طريقة معينة في الأداء لإظهار هذا الترابط ، فعندما يقول الحق تبارك وتعالي Sad فلولا إذا بلغت الحلقوم)، يستلزم وقفة لاستحضار هذه اللحظة بكل جوانبها ، فنجد هذا الجو من الرهبة قد استحضره القارئ من خلال المقطع الرابع في الفاصلة؛ بإشباع ذلك الضم المتمثل في الواو (وهي الصوت الضيق ) قبل الوقف علي الميم ‘ بل إن النفس يمتد من الجوف مع الواو ليصل إلي الشفتين اللتين تحبسانه ؛فيتسرب من الأنف ؛ فيحدث هذا الصوت الرخيم مكونا المبم ، ثم تأتي الآية الثانية ( وأنتم حينئذ تنظرون ) لتنتقلنا إلي أحد أجزاء اللوحة ، وهم الحضور حول الميت، وما بهم من سكينة وخشوع وعجز عن أن يفعلوا له شيئا . وكأنه الشطر الثاني في البيت أو قل الرد علي الحدث الأول ، وهو استعداد الروح للخروج تقابله حالة الصمت من المحيطين به ، ولهذا تتساوى الآيتان في عدد المقاطع وفي نوع المقطع الأخير، ولكن الوقف هنا كان علي النون وليس علي الميم ، فالهواء الممتد هنا من الجوف إلي الفم لن يتوقف عند الشفتين كما في الميم، بل قبلهما عند اللثة ،لأنه صوت لثوي ، ثم يخرج الهواء بالكيفية السابقة نفسها التي في الميم لينتهي النفس الخارج عند الأنف ،ليصبح الصوتان كأنهما شيء واحد ، فامتداد الهواء في المقطعين (قوم / رون ) من الداخل مع الواو والواو بالشكل نفسه ؛ ثم التوقف عند الشفتين واللثة؛ ثم الانتهاء بخروج الهواء من الأنف في المقطعين جعل لهما نغما وإيقاعا متشابهاٍ متقارباٍ وصوتا رخيما (صوت الغنّة) ٍ ،إلي جانب ذلك فإن أعداد المقاطع في الآيتين متطابق تماما فتساوي كمية الهواء الخارجة معهما كدفقات هوائية واحدة ،تخرج من صدر القارئ في ترتيب واحد متساو.
ثم تأتي الآية الثالثة لتصور جانبا آخر من اللوحة ؛وهو مكان الحق تبارك وتعالي من الحدث ، ولكن في وقفة متأنية تستدعي فصل ما قبلها عن ما بعدها ليكون هذا الحدث في آية مستقلة تناسب جلال الله تبارك وتعالي، ولهذا جاء في آية مستقلة مختلف في عدد مقاطعها وبنائها الصوتي مع المحافظة علي نهاية الفاصلة بالمقطع الرابع ،فقد قسمت هذه الآية إلي جملتين هما (ونحن أقرب إليه منكم ) والثاني (ولكن لا تبصرون ) ، مما يجعل الآية محتوية علي فكرتين ؛ومصورة لحالتين ، حالة الحق في قربه من الميت ؛ وحالة أهله في عدم إدراكهم لما يحدث حولهم ،مما يستدعي وقفة عند نهاية الجملة الأولي ، لتأتي بعدها الجملة الثانية ردا علي سؤال تفرضه الجملة الأولي ،أين الله هنا ؟ فيكون الرد أنتم لا تبصرونه ، فالعيب في أبصاركم أنتم .
ويتضح هذا المعني المذكور من خلال نوع المقطع وموضع النبر في الآية ، كما يلي :
1 ـ استعانت الآية بالمقطع الثالث وجعلته موضع النبر في كلمة نحن (نح ) لإظهار عظمة الله.
2 ـ تكرر المقطع الثالث مع النبر عليه في كلمة واحدة (منكم ) وجّه الخطاب إليهم لبيان قرب الله من الميت أكثر منكم أنتم .
3 ـ وجود النبر علي المقطع الثالث في كلمة(ولكن) (كن)أعطي معني الاستدراك علي الحدث لعدم ظهور الحق أمامهم ، بذكر علة الاختفاء ،وهي عدم القدرة علي رؤيته.
4 ـ ثم يأتي المقطع الرابع مع الفاصلة بما فيه من نبر وحركة طويلة ليرسخ المعني المطلوب وهو عجزهم عن الرؤية بقوله :لا تبصرون .
ثم تأتي الآيتان الأخيرتان في المجموعة في شكل جملة شرطية مقسومة علي آيتين متساويتين تماما في عدد مقاطعهما ، وفي حروف الفاصلة ، وكأنهما شطرا بيت من الشعر ( قياس مع الفارق ) ولكن علي الطريقة المقطعية ، وليست الطريقة العروضية ، ويوضح البناء النحوي مدي الترابط بين الآيتين فالآية الأولي بها أداة الشرط وفعل الشرط.،والثانية بها جواب الشرط ، فعندما يقف القارئ عند نهاية الآية الأولي للتزود بالنفس، ولأن الوقوف علي نهاية الآية سُنة ، يترك الفرصة للمستمع للتفكير في جواب الشرط كيف يكون ، فتأتي الآية الثانية لتوضح المطلوب وهو أن يرجعوا الروح للجسد لو كانوا صادقين ، وهو شرط آخر يضف عجزا إلي عجزهم .
وقد صور هذا المعني توزيع النبر علي مقاطع معينة في الآيتين : في كلمة( فلولا)و (لو)أعطي معني اليأس من أن يفعلوا ، وعلي ( إن ) ،و(علي) كنتم المتكررتين في الآيتين ، أفاد الشك في قدرتهم علي الفعل وصدقهم في القول لو قالوا.
المجموعة السابعة عشرة
قال تعالي : فأما إن كان من المقربين {88} فروح وريحان وجنة نعيم {89 } وأما إن كان من أصحاب اليمين {90} فسلام لك من أصحاب اليمين {91} وأما إن كان من المكذبين الضالّين {92}فنزل من حميم {93} وتصلية جحيم {94} إن هذا لهو حق اليقين {95} فسبح باسم ربك العظيم {96}
التحليل المقطعي :
فأمّا إن كان من المقربين {88} فروح وريحان وجنة نعيم {89}
ف/أم/ما/ إن/كا/ن/م/نل/م/قر/ر/بين ف/ رو/ح ن/ و/ري/حا/ن ن/و/جن/ن/ة/ن/عيم
1/ 3/ 2/ 3/ 2/1 /1/3/1/3/1/4 1/ 3 / 3 /1/3/ 2/3 /1 /3 / 1/1/1 /4
وأما إن كان من أصحاب اليمين {90} فسلام لك من أصحاب اليمين {91}
و/ أم/ما /إن/كا/ن/من/أص/حا/ب/ال/ي/مين ف/س/لا/م ن/ل/ك/من/اص/حا/ب/ال/ي/مين
1/ 3/ 2/ 3/2/1/3/ 3/ 2/ 1/3 /1/4 1/1/ 2 /3 / 1/1/ 3/ 3/ 2/ 1/3/ 1 /4
وأما إن كان من المكذبين الضالين {92) فنزل من حميم {93} و تصلية جحيم{93}
و/أم/ما/إن/كا/ن/م/نل/م/كذ/ذ/بي/ن/اض/ضال/لين ف/ن/ز/ل ن/من/ح/ميم و/تص/ل/ي/ة/ج/حيم
1/3/2/3/2/1/1 / 3/1/3/1/2/1 /3 /4 /4 1/ 1/1/ 3/ 3/ 1/ 4 1/3/ 1 / 1/1/1/4
إن هذا لهو حق اليقين {95} فسح باسم ربك العظيم {96}
إن/ن/ها/ذا/ل/ه/و/حق/ال/ي/قين ف/سب/بح/بس/م/رب/ب/ك/ال/ع/ظيم
3/1/2 /2/1/1/1/3/3/ 1/4 1/ 3 /3/ 3/ 1 /3 /1/ 1/3/ 1/4
يأتي بناء هذه الآيات من حيث عدد المقاطع ، ونوع المقطع الأخير في الفاصلة في هذا الشكل :
1ـ الآية الأولي بها 13مقطعا والفاصلة (بين) 2ـ الآية الثانية بها 13 مقطعا والفاصلة (عيم)
2 ـ الآية الثالثة بها 13 مقطعا والفاصلة (مين) 4ـ الآية الرابعة بها 13 مقطعا والفاصلة (مين)
5ـ الآية الخامسة بها 17 مقطعا والفاصلة (لين)
6ـ الآية السادسة بها 7 مقاطع والفاصلة (ميم) 7ـ الآية السابعة بها 7مقاطع والفاصلة (حيم)
8ـ الآية الثامنة بها 11مقطعا والفاصلة ( قين) 9ـ الآية التاسعة بها11مقطعا والفاصلة (ظيم)
بهذا الشكل كان البناء المقطعي للآيات ، فكل آيتين متقابلتان ومتساويتان ، وكأنها مقطوعة من الأبيات ،وذلك باستبدال التفعيلات بالمقاطع الصوتية، واستبدال القافية الواحدة بالمقطع الرابع الذي ساد فواصل هذه المجموعة وما قبلها ، مما كون في الآيات إيقاعا متساويا ومنتظما من خلال هذا التناسق العجيب في المقاطع ، ويأتي سر هذا البناء المقطعي من ارتباطه بالمعني ، فتأتي كل آية مساوية، ومطابقة مقطعيا للآية التي ترتبط بها دلاليا ، فقد أشارت الآيات في شكل موجز لحالة الناس جميعا يوم القيامة وانقسامهم إلي ثلاثة أقسام ، فجاءت كل آيتين متتاليتين لتبين صنفا من الناس ، ومكانته في الآية الثانية ،فكان هناك ارتباط فكري بين كل آيتين متتاليتين ، وكذلك الارتباط الصوتي ، فتكوّن الأولي صوتا ، وتكون الثانية صدي له ، وصدي الصوت يماثله ، فوافقه في عدد المقاطع ونوع المقطع الأخير في الفاصلة ، والحرفين الأخيرين في الفاصلة ، كل هذا كون نغما يشبه نغم الآية الأولي ، كما أن المعني لا يكتمل بالآية الأولي وحدها ، بل لا بد من الآية الثانية ، لأن التركيب المقطعي وموضع النبر في الآية الأولي ربطها بشدة بالآية الثانية ، فلو نظرنا إلي الآية الأولي (فأما إن كان من المقربين) نجد النبر علي المقطع الثالث في أما (أم) فيعطي البيان اسم النوع ،فتشتاق لسماع الحكم عليه ، فتجده في الآية الثانية ،ومعه صدي إيقاع الآية الأولي ،ونجد هذا يتكرر مع الآية الثالثة والرابعة، وكذلك موضع النبر بتكرار كلمة (وأما ) ، وهما بينهما ترابط نحوي حيث الآية الأولي فعل الشرط والثانية جواب الشرط .
هذا في حديثه عن المؤمنين بقسميهما ، أما عند حديثه عن المشركين فالوضع مختلف ، حيث جاء التعبير عنهم بصورة مختلفة في ثلاث آيات ؛ آية يشير إليهم ، وآيتان تشيران إلي مكانتهم في النار ، في مقابل آية واحدة لكل جماعة من أصحاب النعيم ،ولكن آية أصحاب النعيم أكبر في عدد المقاطع ، لأن هذا مقام التطويل والتفصيل للنعيم ، أما أصحاب النار لا يستحب الوقوف عندهم ، فجاءت آيتهم قصيرة سريعة .
وتنتهي السورة بالآيتين الأخيرتين في نسق واحد واتفاق تام في عدد مقاطعهما فكانت الأولي منهما تشير إلي أن هذا حق لا جدال فيه ،وما علي الرسول (صلي الله عليه وسلم )أن يفعله هو أن يسبح باسم الله العظيم.
اللوحة الأخيرة: من الموت إلي البعث
تنتهي السورة بتلك اللوحة التي تشمل المجموعة الخامسة عشرة إلي السابعة عشرة ، وتصور هذه الآيات حالة الإنسان منذ موته إلي أن يبعثه الله فيدخل الجنة أو النار ، وقد سبق هذا حديث عن الكتاب الكريم ،وصفاته .
وتتصف هذه اللوحة عمّا سبقها بقصر آياتها ، والمحافظة علي هذه الصفة ولو بتقسيم الجملة إلي عدة آيات ؛ وذلك لتحقيق عنصر الإيقاع المتمثل في تكرار المقطع الرابع في نهاية كل فاصلة مع صوتي النون والميم ،وقبلهما الواو والياء ، و في إطار هذا الشكل العام للإيقاع في الآيات كانت هناك عناصر صوتية تخص هذه اللوحة ( عناصر الاستقلال الصوتي ) وعناصر تربطها بالصورة العامة للآيات .
عناصر الاستقلال :
1 ـ بعض الآيات تتفق مع ما تليها في عدد المقاطع بصورة تامة مكونة نغما متجانسا مع نهاية مقطعية واحدة .
2 ـ يتنوع عدد مقاطع بعض الآيات المتتالية صعودا وهبوطا ، فتبدو في صورة مختلفة لكسر الرتم المتكرر ، وتغيير النمط الموجود في بعض الآيات .
3 ـ تقسيم الجملة في أكثر من آية لتحقق الإيقاع ولخدمة المعني ،حيث تقسيم الجملة إلي آيات يبرز بعض عناصرها ويوضحه كما في قوله : (إنه لقرآن كريم * في كتاب مكنون ) هذا التقسيم للجملة ـ حيث العبارة الثانية متعلقة بالأولي ـ يبرز قضية حفظ القرآن في كتاب مكنون ، ولو لاحظنا أن القارئ ينطق بكل آية مستقلة عن ما قبلها لأدركنا مدي الحاجة إلي هذا الترابط بين الآيات لبيان الفكرة ووضوحها ، فالمعني يسير في خط مستقيم والآيات تقسمه إلي دفعات لتحقق من ذلك التقسيم إيقاعا متجانسا ساحرا يشد الألباب ، مع الحفاظ علي المعني ووضوحه.
4ـ تأتي بعض الآيات فيما يشبه أبيات الشعر ، ولكن في قالب مقطعي ،وليس في إطار تفعيلات أو قافية ، كما في قوله (فأما إن كان من أصحاب اليمين * فسلام لك من أصحاب اليمين ) لاحظ التصريع الموجود في نهاية الآية الأولي والثانية (اليمين) .
5ـ وقد يحدث هذا التوافق بين الآيتين في عدد المقاطع ،ونوع الأخير فيها ‘ ثم يأتي عنصر صوتي لكسر هذا التماثل ، فلا تصبح الآية مطابقة تماما لأختها ‘ وذلك بالاختلاف في الحرف الأخير في الفاصلة كما في قوله(إن هذا لهو حق اليقين * فسبح باسم ربك العظيم )
6 ـ ظهور المقطع الرابع في غير الوقف في قوله (الضالّين) .
عناصر الاتفاق :
تتفق آيات في هذه اللوحة مع كل آيات السورة في أمور كونت الإطار الصوتي العام للآيات :
أ ) كل آيات اللوحة تنتهي فواصلها بالمقطع الرابع .
ب) الحرف الأخير في الفاصلة ميم أو نون .
ج) الحرف قبل الأخير ياء أو واو .
قيمة الاختلاف والاتفاق في المقاطع :
إن الاختلاف والاتفاق بين الآيات في كثير من القيم الصوتية أوجد الإيقاع الخاص بالآيات
( لو اتحدت كميات الكلمات العربية فتشابهت في بنيتها لوقع النبر فيها علي صورة واحدة ...أو لجاء إيقاع اللغة متساوي المسافات رتيبا مملا كوقع خطوات المشي ... ولكن اختلاف الكلمات طولا وقصرا وتجردا وزيادة واتصالا وانفصالا حال دون هذه الرتابة وذلك الملل ،وجعل للغة إيقاعا لا مجرد وقع , ولكن الإيقاع المقصود هو إيقاع في نطاق التوازن لا في نطاق الوزن . فالوزن في العربية للشعر و التوازن في الإيقاع للنثر والذي في القرآن إيقاع متوازن لا موزون )(1).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ البيان في روائع القرآن 269.
الدراسة الإحصائية للمقاطع
بعد أن انتهينا من تحليل ودراسة مقاطع سورة الواقعة بقي تقديم دراسة إحصائية لما وجد فيها من مقاطع ،وتنوعها ،وتوزيعها علي الآيات، والفواصل المختلفة علي طول السورة، وقد قمت بتسجيل هذه الدراسة من خلال هذا الجدول ، وتوضيح كل البيانات من خلاله:
رقم المجموعة المقطع الأول المقـــــطع الثاني المقطع الثالث المقطع الرابع
مقطع في الوسط الفاصلة الوسط الفاصلة الوسط الفاصلة الوسط الفاصلة
1 13 ـــــــ 6 ــــ 4 3 ـــــــ ـــــ
2 9 3 8 ـــــ 11 ــــــ ـــــــ ـــــ
3 12 ـــــــ 8 ــــ 16 3 ـــــــ ـــــ
4 14 ـــــ 9 ـــــــ 12 ــــــ ــــــ 5
5 41 ـــــ 23 ــــــ 34 1 ـــــ 9
6 5 2 10 ـــــ 7 ـــــــ ـــــــ ــــــــــ
7 9 ــــــ 6 ــــــ 14 ــــــ ـــــــ 5
8 7 ــــ 7 ـــــــ 6 3 ـــــــــ ــــــــ
9 6 3 6 ــــــ 10 ــــــ ـــــ ــــــ
10 13 ــــ 1 ــــــ 9 ـــــــ ــــــ 3
11 13 ـــــــ 9 ـــــــ 10 ـــــــ ـــــــ 4
12 26 ـــــ 20 ـــــــ 16 ـــــــ ـــــــ 4
13 20 ـــــــ 21 ــــــ 28 ــــــــ 1 8
14 101 ـــــــ 22 ــــــ 65 ـــــــ ــــــ 18
15 40 ــــــ 14 ـــــــ 30 ــــــــ ــــــ 8
16 23 ـــــــ 10 ـــــــ 23 ــــــ ــــــ 5
17 45 ــــــ 12 ـــــــ 34 ــــــــ 1 9
1016 397 8 192 ــــــ 329 10 2 78
نتائج الإحصاء :
أولآ : النتائج العامة للإحصائية :
1 ـ عدد المقاطع في السورة كلها 1016
2 ـ عدد المقطع الأول 405 بنسبة : 40 %
3 ـ عدد المقطع الثاني 192 بنسبة : 5/18 %
4 ـ عدد المقطع الثالث 339 بنسبة : 5/33 %
5 ـ عدد المقطع الرابع 80 بنسبة : 5/7 %
6 ـ المقطع الخامس لم يرد مطلقا في كل السورة .
ومن خلال هذه النتائج الإحصائية يمكن الرد علي نتائج إحصائيات قام بها د . أحمد مختار عمر :
أ) يري مع د .إبراهيم أنيس أن المقاطع الأكثر شيوعا في العربية :الأول والثاني والثالث ،وهذا ما أكده هذا البحث، حيث وصل عدد هذه المقاطع في السورة كلها 936 مقطعا من 1016 هو المجموع الكلي للمقاطع أي بنسبة 5/92 % يقول د . مختار( فقد كان د . إبراهيم أنيس علي حق حين اعتبر المقاطع الثلاثة( س ع ع) و(س ع) و(س ع س) هي المقاطع الشائعة في اللغة العربية ، وهي التي تكون الكثرة الغالبة من الكلام العربي )(1).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ دراسة الصوت اللغوي 257 الأصوات اللغوية 165.
ب) يري د. مختار عمر أن أكثر المقاطع وقوعا في هذه الأوزان هو المقطع من نوع : س ع س يليه س ع )(1) . ولكن ما وجدته في سورة الواقعة غير ذلك ،حيث كان عدد المقطع الأول( س ع) يفوق عدد المقطع الثالث (س ع س) ، فالأول يزيد عن الثالث بـ66 مقطعا ، مما يشير إلي اختلاف لغة القرآن عن لغة الكلام العادي في إيقاعها وتناسقها.
ثانيا مقاطع الفواصل :
كان تقسيمي للآيات إلي مجموعات حسب النهاية المقطعية للفواصل، والتي ينبني عليها إيقاع الآيات في تتابعها ، فكان التقسيم إلي مجموعات ،ثم لوحات تجمع تحتها عدة مجموعات ، وكان العنصر الذي تجتمع تحته اللوحة هو عنصر المعني، وليس المقطع الذي في نهاية الفواصل ،حيث اللوحة تجمع أكثر من مجموعة مختلفة المقاطع في فواصلها ،وكانت المجموعات متنوعة المقاطع ،متفقة المعني ،حيث كل مجموعة لها نهاية مقطعية تختلف أو تتفق مع ما قبلها وما بعدها ،فكان لهذا التنوع أثره الكبير في تنوع إيقاع الآيات ككل .
فكان توزيع المقاطع علي نهايات المجاميع كالآتي :{ 1ـ3 } { 2ـ1 } {3ـ3 } {4ـ4 } {5 ـ،4 } {6 ـ1 } { 7 ـ4 } { 8 ـ3} { 9 ـ 1 } {10 ـ 4 } { 11 ـ4} {12 ـ 4 } { 13 ـ4 } { 14 ـ4 } {15 ـ4 } {16 ـ4 } { 17 ـ 4 } هذا التنوع في المقاطع أعطي إيقاعا متنوعا هو:3/1/3/4/1/4/1/4/3/1/4/4/4/4/4/4/4/4.
ثالثا المقطع الرابع :
لا يرد المقطع الرابع في العربية إلا في نهاية الكلمة عند الوقف ،وقد حدث هذا بكثرة في آيات السورة في فواصلها في 78 مرة من المقطع الرابع ، أما في وسط الكلمة فلا يحدث هذا إلا بشرط أن يكون المقطع التالي له مبتدئا بصامت يماثل الصامت الذي ختم به المقطع السابق ، وهو ما أشار إليه القدماء بالتقاء ساكنين ، وهو أن يكون الأول حرف لين والثاني مدغما في مثله في الوقف ، وفد ورد المقطع الرابع مرتين في وسط الكلمة : الضالين في الآية :51 و92 ، وقد أشار إلي ذلك المقطع ابن جني عندما يرد في وسط الكلمة ، وكيفية التخلص منه قائلا ( وأول المثلين مع التشديد ساكن ، فيجفو عليهم أن يلتقي الساكنان حشوا في كلامهم ، فحينئذ ما ينهضون بالألف بقوة الاعتماد فيجعلون طولها ، ووفاء الصوت بها عوضا مما كان يجب لالتقاء الساكنين : من تحريكها ، إذا لم يجدوا عليه تطرقا ،ولا بالاستراحة إليه تعلقا ،وذلك نحو شابّة ودابّة ...وربما لم يكتف مَن تقوي لغته ، ويتعالي تمكنه وجهارته ... أن يبدل من هذا الألف همزة ، فيحملها الحركة التي كان كلفا بها ، ومصانعا بطول المدة عليها فيقول : شأبّة و دأبّة ... فال كُثيّر : إذا ما العوالي بالعبيط احمأرت (2) وهذا يعني أن هذا المقطع لا يرد في وسط الكلمة مطلقا وخصوصا في الشعر، فإذا حدث ذلك أبدلت الهمزة مكان الألف .
أما في النثر فإنهم ينهضون بالألف بقوة الاعتماد عليها ، فيجعلون طولها ووفاء الصوت بها عوضا عما كان يجب لالتقاء الساكنين ،فيجعلون إطالة الألف عوضا عن التقاء الساكنين ، وذلك بتحويل المقطع الرابع إلي المقطع الثاني الطويل المفتوح ، ويشبعون المد فيه ، حتي يضعف التشديد الذي علي الباء ، ثم ينطقون الباء في مقطع جديد مستقل من النوع الثالث ، وهذا ما حدث في نطق( الضالّين)، حيث يمد القارئ ألف ضالين بمقدار ست حركات ، وفي رسم المصحف نجد فوق الألف في ضالين علامة المد اللازم بمقدار ست حركات حتي يتمكن القارئ من مد هذه الألف ،فينطق باللام التي بعد ه بسهولة كما قال ابن جني .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ دراسة الصوت اللغوي 261.
2 ـ الخصائص 3/ 126.
الخاتمة ونتائج البحث
المقطع
بعد دراسة سورة الواقعة دراسة مقطعية خرجتُ منها بتصور لخصائص بنائها المقطعي وهو
1 ـ لا يوجد المقطع الخامس في السورة كلها في الوقف أو غير الوقف .
2ـ المقطع الرابع وهو لا يجوز في العربية إلا في آخر الكلمة في حالة الوقف ، أو في وسطها بشرط أن يكون المقطع التالي له مبتدئا بصامت يماثل الصامت الذي ختم به ،وهو أن يكون الأول حرف مد ،والثاني مدغما في مثله نحو دابّة وشابّة والضالّين ، وقد ورد هذا المقطع في نهاية فواصل ثمان وسبعين آية من السورة ، بنسبة ثمانين بالمائة من آيات السورة كلها ، أما في وسط الآية فقد وردت في موضعين فقط في كلمة واحدة ( الضالين) وتكررت في الآية 51 والآية 92
وتكون هذا المقطع من : صامت +حركة طويلة +صامت
كانت الحركة الطويلة هي الواو أو الياء ، وكان الصامت الثاني هو النون أو الميم في كل المواضع عدا أربعة مواضع كانت بالدال والباء ، وكان المقطع الرابع هو موضع النبر مع آخر الآية في الفاصلة .
3 ـ المقطع الثالث يوجد بكثرة في وسط الآيات في تناوب مع المقطعين الثاني والأول ، أما في آخر الآية فقد ورد عشر مرات فقط في فواصل السورة كلها ، وقد جاء هذا العدد موزعا علي ثلاث مجموعات في السورة .
ونظرا لطول هذا المقطع وتكراره كان موضع النبر في أكثر الآيات بالنسبة للمقطعين الثاني والأول .
4 ـ المقطعان( الأول والثاني) : قد وردا بكثرة في وسط الآيات ، وهما مع المقطع الثالث يمثلان
الصورة الكاملة لمقاطع السورة كلها ، وقد يتحول المقطع الأول إلي المقطع الثاني في آخر الآية عند الوقف بإشباع الحركة القصيرة لتكون مقطعا مفتوحا متحرك بحركة طويلة ، كما يفعل بعض القراء في آخر الآية وقد ورد المقطع الأول ثماني مرات في فواصل السورة .
أما في وسط فقد ورد المقطع الأول بكثرة في تبادل مع المقطع الثاني والثالث ، أما عن توالي المقطع الأول فلم يزد عن توالي ثلاثة مقاطع منه في كلمة واحدة في السورة كلها ، كما في (فرش) [ و+ف+ر+ش ن] ، وفي كلمتين أربعة مقاطع (فلا أقسم بمواقع ) [ س+م+ب+م] ،وفي موضع آخر وصلت إلي خمسة مقاطع في قوله(وإنه لقسم لو )[ن+هـ+ل+ق+س+م ن] وهو أكبر عدد متوال للمقطع الأول في سورة الواقعة .
الفاصلة
خصائص الفاصلة في سورة الواقعة :
قامت الفاصلة بتشكيل الإيقاع الخاص بالسورة حيث قامت بـ :
1 ـ تقسيم الجملة إلي عدة آيات لتحدث إيقاعا متساويا من تكرار المقطع الرابع في نهاية كل آية
كما في قوله تعالي :{ والسابقون السابقون *أولئك المقربون *في جنات النعيم} .
2 ـ تغيير تركيب الجملة بالتقديم والتأخير في عناصرها ليتحقق الإيقاع المطلوب في آخر الآية.
كما في (وظل من يحموم * لابارد ولا كريم )، فقدم بارد علي كريم لتتوافق صوتيا مع يحموم .
3 ـ استبدال الكلمة المفردة بأخرى مجموعة جمع مذكر سالم لتحقيق الإيقاع في نهاية الآية .
4 ـ إسناد الفعل إلي واو الجماعة في نهاية الفاصلة للسبب السابق نفسه، وهو تحقيق الإيقاع عندها .
أصوات الفاصلة
انتهت فواصل الآيات بأصوات متنوعة في تبادل مع بعضها البعض ‘ وقد ارتبطت بعض المقاطع بأصوات معينة ؛ حيث ارتبطت النون والميم بالمقطع الرابع ، مع كسر هذه القاعدة بصوت الدال في ثلاث فواصل ، وبصوت الباء في فاصلة واحدة .
وارتبط المقطع الثالث بصوت التاء المربوطة ، والتي تصبح مع الوقف هاءًا ، أما المقطع الثاني فخرج عن القاعدة ،ولم يرتبط بصوت ما .
الفاصلة والتجانس الصوتي
أقصد بذلك أن يكون الصوتان المتجاوران غير متنافرين ، لتحدث المناسبة الصوتية بينهما والفاصلة القرآنية أكبر مظهر للمناسبة الصوتية(لأن طبيعة الفاصلة أنها إتيان بخواتم الآيات طبقا لاختيار أسلوبي مقصود ،بحيث يكون ثمة مناسبة صوتية بين رأس الآيتين...ولكون المناسبة الصوتية تعتمد علي الانسجام لا علي المطابقة التامة وجدنا الفاصلة القرآنية تتحقق بالصوتين المنسجمين ،ولا يتحتم فيهما أن يكونا متطابقين ...ومن هنا نجد الياء في المخبتين تنسجم مع الواو في ينفقون / الحج 34 ـ 35 ...ومغزى هذا أن المناسبة الصوتية هي المبدأ الذي تقوم عليه الفاصلة القرآنية ،أما القافية الشعرية فلا تقنع بالمناسبة، وإنما تتخطاها إلي المطابقة )(1) ،ويتجلي هذا في سورة الواقعة في :
1ـ التبادل بين الفواصل بين النون والميم كما في:تكذبون الحلقوم تنظرون لا تبصرون.
2ـ التبادل بين السين والثاء :كما في قوله:وبست الجبال بسا *فكانت هباء منبثا .
3 ـ الانتقال من الدال إلي الباء :كما في قوله(في سدر منضود* طلح منضود *وظل ممدود *وماء مسكوب)والذي ساعد علي عدم الشعور الانتقال من الدال للباء أن كلهم علي وزن مفعول.
الهياكل المقطعية والإيقاع
تتكرر مجموعة من الأشكال أو التراكيب الصوتية المكونة من عدد من الأصوات في شكل مقاطع معينة متكررة بالتركيب والترتيب ونوع المقطع نفسه ،فتبدو في شكل قوالب متكررة ،هذه القوالب أو الأنماط تعطي إيقاعا ثابتا ومتكررا ، لا تلبث أن تعتاده الآذان ، وتألفه من تكراره ،ثم تسرع الآيات بتبديله ، حتي لا يحدث الملل من تكراره ،أو ربما قامت بتوزيعه علي مواضع متعددة من السورة لنفس السبب ، وقد لاحظت مثل هذه القوالب الصوتية في سورة الواقعة ، حيث نجد تكرارا في مواضع كثيرة لبعض الأنماط التي تتصل بموضوعات مختلفة؛ نعرض بعضا منها هنا :
أولا : نعم الله علي عباده :
يذكر الله نعمه علي عباده في صورة قالب تركيبي معين ،يتكرر بالطريقة نفسها ,من خلال كل نعمة يذكرها ، فمن هذه النعم :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ البيان في روائع القرآن 302.
1ـ نعمة الخلق : أفرأيتم ما تمنون * أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون *نحن قدرنا بينكم الموت...
2ـ نعمة الزرع :أفرأيتم ما تحرثون *أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون *لو نشاء لجعلناه حطاما..
3ـ نعمة الماء: أفرأيتم الماء الذي تشربون*أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون*لو نشاء...
4ـ نعمة إيقاد النار :أفرأيتم النار التي تورون *أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون*...
لو نظرنا إلي هذه الآيات في تكوينها وترتيبها لوجدنا أنها تتكرر بالشكل والترتيب المقطعي نفسه مع كل نعمة، حتي إننا يمكن أن نصوغها بشكل آخر مع حذف الكلمات الدالة علي النعمة ،وترك مكانها فارغا ، لتعطينا هذا القالب المتكرر، فيصبح الشكل هنا هو :
{ أفرأيتم ما... *أأنتم ... أم نحن ... * نحن ... }
هذا القالب بهذا الشكل المتكرر مع كل نعمة يستتبع بناء مقطعيا متكررا هو:
{1/1/1/3/3/2 ... *1/3/3 ... 3/3/1/... * 3/1 }
وهذا يعني تكرر الإيقاع بتكرار النمط التركيبي أو القالب المذكور مع كل نعمة ،وهذا ما نعنيه بالهيكل المقطعي ، وهذا الهيكل بهذه الصورة يكرر مقاطعه بصورة مرتبة منتظمة، مما يخلق إيقاعا خاصا بهذا البناء .
ثانيا : أجر الآخرة :
الناس في الآخرة ينقسمون إلي ثلاثة أقسام يذكرهم الحق تبارك وتعالي مع أجرهم عنده في الآخرة في قوالب صوتية متكررة ، كونت لنا إيقاعا متميزا من هذا الترتيب المقطعي المتكرر وهو:
أ ـ السابقون المقربون : فأما إن كان من المقربين * فروح وريحان وجنت نعيم
ب ـ أصحاب اليمين :وأما إن كان من أصحاب اليمين * فسلام من أصحاب اليمين
ج ـالمكذبون الضالون : وأما إن كان من المكذبين الضالين * فنزل من حميم و تصلية جحيم
و بالطريقة السابقة نفسها نجد الآيات تكرر القالب التركيبي نفسه ،ولكن بشكل يخص هذا الموقف ،فلو صغناه بطريقة أخري مع حذف اسم الجماعة وأجرهم في الآخرة؛ لأصبح بهذا الشكل :
(فأما إن كان من ... * فــ ... ) ويصبح الترتيب المقطعي المتكرر: (1/3/2/3/ 3... * 1 )
ثالثا أصناف الناس في الآخرة:
يذكر الله أصناف الناس في الآخرة في هذه السورة في قالب تركيبي صوتي واحد هو:
1 ـ أصحاب الميمنة : فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة {8}
2 ـ أصحاب المشأمة : وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة{9}
3 ـ أصحاب اليمين : وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين{27}
4 ـ أصحاب الشمال : وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال {41}
فوضع الحق تبارك وتعالي كل جماعة في القالب التركيبي نفسه، مما يقتضي ترتيبا مقطعيا واحد متكررا هو:
1/3/2/3 ...2/3/2/3/... هذا القالب المتكرر من المقاطع المتطابقة يوجد إيقاعا منتظما في الآيات نحسه مع تكرار تلك القوالب في أماكنها من السورة ، حيث تم توزيع هذه القوالب في مواضع مختلفة من السورة .
المراجع والمصادر
أولا: المراجع العربية
1 ـ أسس علم اللغة ، ماريوباي ترجمة د.أحمد مختار عمر . عالم الكتب القاهرة .1998
2 ـ أصوات اللغة .د.عبد الرحمن أيوب . مطبعة الكيلاني . ط3 ، القاهرة 1968.
3ـ الأصوات اللغوية د. إبراهيم أنيس .مكتبة الأنجلو المصرية ط3 . 1999.
4ـ إملاء ما منّ به الرحمن ,العكبري . دار الحديث القاهرة بدون تاريخ .
5 ـ البيان في روائع القرآن . د. تمام حسان . عالم الكتب القاهرة 1993.
6 ـ البيان في غريب القرآن لابن الأنبا ري .الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة 1980.
7 ـ التحرير والتنوير . محمد الطاهر بن عاشور . دار سحنون للنشر والتوزيع تونس 1997
8 ـ التطور اللغوي علله وقوانينه د . رمضان عبد التواب الخانجي القاهرة 1995.
9ـ الخصائص . ابن جني . تحقيق محمد علي النجار . الهيئة المصرية الكتاب القاهرة1980 .
10 ـ دراسة السمع والكلام د. سعد مصلوح .عالم الكتب القاهرة 1995.
11 ـ الدراسات الصوتية عند العلماء العرب والدرس الصوتي الحديث د.حسام البهنساوي دار زهراء الشرق 2005.
12 ـ دراسة الصوت اللغوي د.أحمد مختار عمر .عالم الكتب القاهرة 1981.
13ـ علم الأصوات برتيل مالمبرج ترجمة د.عبد الصبور شاهين .مكتبة الشباب القاهرة1986.
14 ـ فقه اللغات السامية .بروكلمان . ترجمة د.رمضان عبد التواب طبعة جامعة الرياض 1977
15 ـ اللغة العربية معناها ومبناها د. تمام حسان . الهيئة المصربة العامة للكتاب ط2 .1985.
16 ـ اللغة العربية بين المعيارية والوصفية د. تمام حسان . القاهرة 1958.
17 ـ مبادئ في علم الأصوات العام .لابركرمبي .ترجمة د.محمد فتح الله . القاهرة 1988 .
18 ـ مبادئ اللسانيات العامة .لأندريه مارتنيه . ترجمة أحمد الحمو .دمشق 1985.
19 ـ المدخل إلي علم اللغة ومناهج البحث اللغوب د. رمضان عبد التواب الخانجي ط3 1997.
ثانيا : المراجع الأجنبية
A.martient Elementes of general Linguisties , 1964, 1
2 -D;JONES The phoneme,Its Nature and use, 1962
H,Stetson Buse of phonogy.
المشرف العام
المشرف العام
Admin

عدد المساهمات : 29
تاريخ التسجيل : 13/06/2010

http://almadawe.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى